المنتفع بها هي التي تكون في سقف أو جدار أو غيرهما ، فأما المسندة الفارغة المتروكة فلا نفع فيها. قلت: فعلى هذا لا يكون لتخصيص الخشب بالذكر فائدة لاشتراكها في هذا الباب مع الحجر والمدر المتروكين وغيرهما ، والخشب جمع خشبة كثمرة وثمر ، ومحل الجملة رفع على «هم كأنهم خشب» أو هو كلام مستأنف فلا محل له. قوله (عَلَيْهِمْ) ثاني مفعولي (يَحْسَبُونَ) أي يحسبونها واقعة عليهم صادرة لهم لجبنهم والصيحة كنداء المنادي في العسكر ونحو ذلك ، أو هي أنهم كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم ما يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وأموالهم. ثم أخبر عنهم بأنهم (هُمُ الْعَدُوُّ) أي هم الكاملون في العداوة لأن أعدى الأعداء هو العدوّ المداجي المكاشر تظنه جارا مكاشرا وتحت ضلوعه داء لا دواء له. ويقال: ما ذم الناس مذمة أبلغ من قولهم «فلان لا صديق له في السر ولا عدوّ له في العلانية» وذلك أن هذه من آيات النفاق (فَاحْذَرْهُمْ) ولا تغتر بظاهرهم ، وجوز أن يكون (هُمُ الْعَدُوُّ) المفعول الثاني و (عَلَيْهِمْ) لغو. وإنما لم يقل «هي العدو» نظرا إلى الخبر أو بتأويل كل أهل صيحة (قاتَلَهُمُ اللهُ) دعاء عليهم باللعن والإخزاء أي أحلهم الله محل من قاتله عدو قاهر. ويجوز أن يكون تعليما للمؤمنين أي ادعوا عليهم بهذا. يروى أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما لقي بني المصطلق على المريسيع وهو ماء لهم وهزمهم ازدحم على الماء جمع من المهاجرين والأنصار واقتتلا ، فلطم أحد فقراء المهاجرين شابا حليفا لعبد الله بن أبيّ ، فبلغ ذلك عبد الله فقال: ما صحبنا محمدا إلا لنلطم والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قيل «سمن كلبك يأكلك» ، أما والله (لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ) عنى بالأعز نفسه وبالأذل أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم قال لقومه: لو أمسكتم عن هؤلاء الفقراء فضل طعامكم لم يركبوا رقابكم ولا تفضوا من حول محمد ، فسمع بذلك زيد بن أرقم وهو حدث فقال: أنت والله الذليل القليل. فقال عبد الله: اسكت فإنما كنت ألعب. فأخبر زيد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: إذن ترعد أنف كثيرة بيثرب. قال: فإن كرهت أن يقتله مهاجريّ فأمر به أنصاريا فقال: فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا قتل أصحابه. ولما أنزل الله تعالى تصديق قول زيد وبان نفاق عبد الله قيل له: قد نزلت فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم يستغفر لك ، فلوى رأسه ثم قال: أمرتموني أن أومن فآمنت وأمرتموني أن أزكي مالي فزكيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد فنزلت (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا) ولم يلبث إلا أياما قلائل حتى اشتكى ومات وقد تقدم قصة هذا المنافق في سورة «براءة» بأكثر من هذا ، وقد نفى عن المنافقين الفقه أولا وهو معرفة غوامض الأشياء ، ثم نفى عنهم العلم رأسا كأنه قال: لا فقه لهم بل لا علم. أو نقول: إن معرفة كون الخزائن لله مما يحتاج إلى تدبر وتفقه لمكان الأسباب والوسائط والروابط المفتقرة في رفعها من البين