اللفظ عليه والزائد لا دليل له ، وكيف لا والمقام مقام تهويل وتعظيم؟ فلو كان المراد ثمانية آلاف لوجب ذكره ليزداد التعظيم والتهويل ويؤيده ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة أخرى» وروي «ثمانية أملاك أرجلهم في تخوم الأرض السابعة والعرش فوق رؤسهم وهم مطرقون يسبحون» وقيل: بعضهم على صورة الإنسان ، وبعضهم على صورة الأسد ، وبعضهم على صورة الثور ، وبعضهم على صورة النسر. وروي «ثمانية أملاك في خلق الأوعال ما بين أظلافها إلى ركبها مسيرة سبعين عاما» (١) وعن شهر بن حوشب: أربعة منهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك. وأربعة يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك. ولولا هذه الروايات لجاز أن يكون الثمانية من الروح أو من خلق آخر. قالت المشبهة: لو لم يكن الله على العرش لم يكن لحمله فائدة وأكدوا شبهتهم بقوله (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) للمحاسبة والمساءلة فلو لم يكن الإله حاضرا لم يكن للعرض معنى. وأجيب بأن الدليل على أن حمل الإله محال ثابت فلا بد من التأويل وهو أنه تعالى خاطبهم بما يتعارفونه فخلق لنفسه بيتا يزورونه ليس ليسكن فيه ، وجعل في ذلك البيت حجرا هو يمينه في الأرض إذ كان من شأنهم أن يعظموا رؤساءهم بتقبيل أيمانهم ، وجعل على العباد حفظة لا لأن النسيان يجوز عليه بل لأنه المتعارف. فكذلك لما كان من شأن الملك إذا أراد محاسبة عماله أن يجلس لهم على سرير ويقف الأعوان حواليه صور الله تعالى تلك الصورة المهيبة لا لأنّه يقعد على السرير. روي أن في القيامة ثلاث عرضات. فأما عرضتان فاعتذار واحتجاج وتوبيخ ، وأما الثالثة ففيها تنشر الكتب. قوله (لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) أي تعرضون على من لا يخفى عليه شيء أصلا وقيل: أراد لا يخفى منكم يوم القيامة ما كان مخفيا في الدنيا على غير الله وذلك ليتكامل سرور المؤمنين ويعظم توبيخ المذنبين. ثم أخذ في تفصيل عرض الكتب. «وهاء» صوت بصوت به فيفهم منه «خذ» وله لغات واستعمالات مذكورة في اللغة منها ما ورد به الكتاب الكريم وهو «هاء» مثل باع للواحد المذكور «وهاؤما» بضم الهمزة وإلحاق الميم بعدها ألف للتثنية. (هاؤُمُ) بضم الهمزة بعده ميم ساكنة لجمع المذكر. «هاء» بالكسر للمؤنثة «هاؤن» لجمعها (كِتابِيَهْ) مفعول (هاؤُمُ) عند الكوفيين و (اقْرَؤُا) عند البصريين لأنه أقرب أصله هاؤم كتابي اقرأوا كتابي فحذف لدلالة الثاني عليه. قال البصريون : ولو كان العامل الأول لقيل اقرأه إذ المختار إضمار المفعول ليكون دليلا على المحذوف. وأجاب الكوفيون بأن
__________________
(١) رواه أبو داود في السنّة باب ١٨. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٣ أحمد في مسنده (١ / ٢٠٦) بلفظ «.... ما بين أظلافها إلى ركبها كما بين السماء والأرض ...».