في قوله (وَلَمْ أَدْرِ) إشارة إليها لأنها حالة العدم المستلزمة لعدم الإدراك أي الموتة التي متها يا ليتها (كانَتِ الْقاضِيَةَ) لأمري أو للحياة فلم أبعث بعدها. وقيل: هاء الضمير للحال أي ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت عليّ. قال القفال: تمنى الموت حين رأى من الخجل وسوء المنقلب ما هو أشد وأشنع من الموت. قوله (ما أَغْنى) نفي. ويجوز أن يكون استفهاما على سبيل الإنكار ومعناه أي شيء أغنى (عَنِّي) ما كان لي من اليسار فإنه لم يبق منه إلا الوبال (هَلَكَ عَنِّي) تسلطي على الناس وزال عني ما كنت أتصوره حجة وبرهانا. قال ابن عباس: ضلت عني حجتي التي كنت أحتج بها على محمد في الدنيا. وقال مقاتل: إنما يقول هذا حين شهدت عليه الجوارح بالشرك. يحكى عن عضد الدولة أنه قال قصيدة مطلعها هذا البيت:
ليس شرب الكأس إلا في المطر |
|
وغناء من جوار في السحر |
غانيات سالبات للنهى |
|
ناعمات في تضاعيف الوتر |
مبرزات الكأس من مطلعها |
|
ساقيات الراح من فاق البشر |
عضد الدولة وابن ركنها |
|
ملك الأملاك غلاب القدر |
يروى بضم القاف جمع القدرة وبفتحها وهو ما قدر الله على عباده وقضى. ولا ريب أن المصراع الأخير فيه سوء الأدب والجراءة على الله من وجهين: أحدهما أنه سمى نفسه ملك الأملاك ولا يصلح هذا الاسم إلا لله سبحانه ولهذا جاء في الحديث «أفظع الأسماء عند الله رجل تسمى ملك الأملاك» (١) ويقال لها بالفارسية شاهنشاه والثاني أنه زعم الغلبة على القدر وهذا أيضا من أوصاف الله جل وعلا لا يصلح لغيره. وإن زعم أنه قال ذلك بالنسبة إلى ملوك دونه فذلك قيد لا يدل عليه الإطلاق فسوء الأدب باق فمن هاهنا روي أن الله تعالى ابتلاه عقيب ذلك بالجهل وفساد الذهن وخور القوى ، وكان لا ينطلق لسانه إلا بتلاوة (ما أَغْنى عَنِّي مالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطانِيَهْ خُذُوهُ) على إرادة القول أي يقال لهم خذوه أيها الخزنة يروى أنهم مائة ألف ملك تجمع يده إلى عنقه. والتصلية في الجحيم وهي النار العظمى ، إشارة إلى أنه كان سلطانا يتعظم على الناس. والسلسلة حلق منتظمة كل حلقة
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب الأدب باب ١١٤. مسلم في كتاب الأدب حديث ٢٠ ، ٢١. أبو داود في كتاب الأدب باب ٦٢. الترمذي في كتاب الأدب باب ٦٥. أحمد في مسنده (٢ / ٢٤٤ ، ٣١٥) بلفظ «أخنع الأسماء ...».