مدبرين انصرافهم عن موقف الحساب إلى النار. ثم أكد التهديد بقوله (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ) الآية. ثم ذكر مثالا لمن لا يهديه الله بعد إضلاله وهو قوله (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ) وفيه أقوال ثلاثة أحدها: أنه يوسف بن يعقوب ، وفرعون موسى هو فرعون يوسف ، والبينات إشارة إلى ما روي أنه مات لفرعون فرس قيمته ألوف فدعا يوسف فأحياه الله. وأيضا كسفت الشمس فدعا يوسف فكشفها الله ، ومعجزاته في باب تعبير الرؤيا مشهورة ، فآمن فرعون ثم عاد إلى الكفر بعد ما مات يوسف. والثاني هو يوسف بن ابن إبراهيم بن يوسف ابن يعقوب ، أقام فيهم عشرين سنة قاله ابن عباس. والثاني هو يوسف بن ابن إبراهيم بن يوسف إليهم رسولا من الجن اسمه يوسف وأورده أقضى القضاة أيضا وفيه بعد. قال المفسرون في قوله (لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) ليس إشارة إلى أنهم صدّقوا يوسف لقوله (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍ) وإنما الغرض بيان أن تكذيبهم لموسى مضموم إلى تكذيب يوسف ولهذا ختم الآية بقوله (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) قلت: هذا إنما يصح إذا لم يكن فرعون يوسف قد آمن به لكنه مروّي كما قلنا اللهم إلا أن يقال: لو لا شكه في أمره لما كفر بعد موته قال جار الله: فاعل كبر ضمير عائد إلى من هو مسرف لأنه موحد اللفظ وإن كان مجموع المعنى. وجوّز أن يكون (الَّذِينَ يُجادِلُونَ) مبتدأ على تقدير حذف المضاف أي جدال الذين يجادلون كبر. وجوّز آخرون أن يكون التقدير الذين يجادلون كبر جدالهم على حذف الفاعل للقرينة. وفي قوله (وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) إشارة إلى أن شهادة المؤمنين عند الله بمكان حتى قرنها إلى شهادة نفسه. والمقصود التعجب والاستعظام لجدالهم وخروجه عن حدّ أشكاله من الكبائر ، ووصف القلب بالتكبر والتجبر لأنه مركزهما ومنبعهما ، أو باعتبار صاحبه. ومن قرأ بالإضافة فظاهر إلا أنه قيل: فيه قلب والأصل على قلب كل متكبر كما يقال: فلان يصوم كل يوم جمعة أي يوم كل جمعة. ثم أخبر الله سبحانه عن بناء فرعون ليطلع على السماء وقد تقدّم ذكره في سورة القصص. قال أهل اللغة: الصرح مشتق من التصريح الإظهار ، وأسباب السموات طرقها كما مر في أوّل «ص» (فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ) [الآية: ١٠] فائدة بناء الكلام على الإبدال هي فائدة الإجمال ثم التفصيل والإبهام ثم التوضيح من تشويق السامع وغيره. من قرأ (فَأَطَّلِعَ) بالرفع فعلى العطف أي لعلي أبلغ فأطلع. ومن قرأ بالنصب فعلى تشبيه الترجي بالتمني. والتباب الخسران والهلاك كما مر في قوله (وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ) [هود: ١٠١] استدل كثير من المشبهة بالآية على أن الله في السماء قالوا: إن بديهة فرعون قد شهدت بأنه في ذلك الصوب وأنه سمع من موسى أنه يصف الله بذلك وإلا لما رام بناء الصرح. والجواب أن بديهة فرعون لا حجة فيها ، وسماعه ذلك من موسى ممنوع. وقد يطعن بعض اليهود بل كلهم في الآية بأن