فيه المذكر والمؤنث. ثم إنه وبخهم بقوله (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) أصل الرجاء الأمل. والوقار التوقير «فعال» بمعنى «تفعيل» مثل «سراح» بمعنى «تسريح» وقد يستعمل الرجاء بمعنى الخوف فمعناه على هذا ما لكم لا تخافون عظمة الله. وعلى الأول قال جار الله: معناه أي شيء لكم وما بالكم لا تكونون على حال تأملون فيها تعظيم الله إياكم في دار الثواب و (لِلَّهِ) بيان أو حال ولو تأخر لكان صلة للوقار أو صفة ، ويحتمل أن يكون الوقار فعلا للقوم وذلك أنهم كانوا يستخفون برسول الله صلىاللهعليهوسلم فحثهم على تعظيمه لأجل الله راجين ثوابه. وعن ابن عباس أن الوقار هو الثواب من وقر إذا ثبت واستقر قال جار الله: في تقريره أي لا تخافون لله عاقبة حال استقرار الأمور وثبات الثواب والعقاب. وقال غيره: تم الكلام عند قوله (ما لَكُمْ) ثم استفهم منكرا (لا تَرْجُونَ) أي لا تعتقدون لله ثباتا وبقاء فإنكم لو رجوتم ذلك لما أقدمتم على الاستخفاف برسوله. قال الليث: الطور التارة أي خلقكم مرة بعد مرة نطفة ثم علقة إلى آخرها. وقال ابن الأنباري: والطور الحال فيجوز أن يراد الأوصاف المختلفة التي لا يشبه بعضها بعضا ، وهذا دليل للتوحيد المأخوذ من الأنفس ، ثم أشار إلى دليل الآفاق بقوله (أَلَمْ تَرَوْا) الآية. ومعنى (طِباقاً) قد مر في أول «الملك» فلا يلزم منه أن لا يبقى للملائكة مساكن فيها فلعلها متوازية لا متماسة. وأما على قول من يزعم أن الملائكة روحانية فلا إشكال ، قوله (فِيهِنَ) في حيزه من السموات وشبه الشمس بالسراج لأن نوره ذاتي كهي ، أو لأن الليل عبارة عن ظل الأرض والشمس سبب لزواله. ثم عاد إلى دليل الأنفس بقوله (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) يحتمل أن يكون من باب التفعيل فيكون مصدرا متعديا قريبا من لفظ الفعل وأن يكون ثلاثيا لازما فيكون أبعد ، ويجوز أن يراد أنبتكم فنبتم نباتا. قال جار الله: استعير الإنبات للإنشاء ليكون أدل على الحدوث. وفي قوله (إِخْراجاً) تأكيدا أي يخرجكم حقا ولا محالة. ثم ذكر دليلا آخرا فاقيا من حال الأرض. والفج الطريق الواسع.
ثم إن سائلا كأنه سأل: ماذا قال نوح بعد هذه الشكوى؟ فبين سبحانه أنه تعالى (قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) مكان قوله وأطيعون (وَاتَّبَعُوا) رؤساءهم ولم يزدهم ما لهم وولدهم (إِلَّا خَساراً) في الآخرة كأن التمتع القليل في الدنيا كالعدم. وولده بالضم لغة في الولد ويجوز أن يكون جمعا كفلك (وَمَكَرُوا) معطوف على (لَمْ يَزِدْهُ) لأن المتبوعين هم الذين مكروا (وَقالُوا) للأتباع (لا تَذَرُنَ) وجمع حملا على المعنى. والكبار بالتشديد أكبر من الكبار بالتخفيف ولهذا لم يقرأ مخففا إلا في الشاذ فكلاهما مبالغة في الكبير. ولا ريب أن رأس الخيرات هو الإرشاد إلى التوحيد فنقيضه وهو الدعاء إلى الشرك يكون أعظم الكبائر