وقريب منه قول قتادة ماتت رجلاه فلا يحملانه وقد كان عليهما جوالا (إِلى رَبِّكَ) أي حكمة خاصة (يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) أي السوق. وقيل: أراد أن سوقه وقتئذ يفوض إلى الله دون غيره ، والفرق أن الرب أي حكمه في الأول هو المسوق إليه وهو في الثاني سائق يسوقه إلى الجنة أو إلى النار. قوله (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) الضمير فيه عائد إلى الإنسان المذكور في قوله (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) وقد سبق أن تعينه صنفيّ أو شخصي أخبر الله سبحانه عن اختلال حال أعماله فيما يتعلق بأصول الدين وفروعه قائلا (فَلا صَدَّقَ) أي فلا صدّق بالرسول أو بالقرآن أو بالبعث (وَلا صَلَّى وَلكِنْ كَذَّبَ) بالحق (وَتَوَلَّى) عن الطاعة (ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) متبخترا مفتخرا بذلك وأصله يتمطط أي يتمدد لأن المتبختر يمد خطاه ، قلبت الطاء الأخيرة ياء كما في «تقضى البازي». ويحتمل أن يكون من مطا الظهر لأن المتبختر يلوي ظهره. قال أهل العربية «لا» هاهنا بمعنى «لم» وقلما تقع لا الداخلة على الماضي إلا مكررة ومنه الحديث «لا أكل ولا شرب ولا استهل» (١) أما قوله عز من قائل (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) [البلد: ١١] فسيجيء قال قتادة والكلبي ومقاتل: أخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيد أبي جهل ثم قال له (أَوْلى لَكَ فَأَوْلى) يوعده ويدعو عليه بالهلاك والبعد عن الخير والقرب من المكاره ، وقد مر في قوله (فَأَوْلى لَهُمْ) [محمد: ٢٠] وذلك في سورة القتال. فقال أبو جهل: بأي شيء تهددني؟ لا تستطيع أنت ولا ربك أن تفعلا فيّ شيئا وأني لأعز أهل هذا الوادي ثم سل يده ذاهبا فأنزل الله كما قال الرسول. قال القفال: هذا محتمل ، ويحتمل أن يكون أيضا وعيدا مبتدأ من الله للكافر على طريقة الالتفات. ويحتمل أن يكون أمرا من الله لنبيه بأن يقوله لعدو الله فيكون القول مقدرا أي فقلنا لك يا محمد قل له هذا. ثم قال دليلين على صحة الخبر الأول (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) أي هملا لا يكلف ولا يحاسب بعمله وهذا خلاف الحكمة نظيره (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون: ١١٥] الثاني الاستدلال بالخلق الأول على الإعادة و (مَنِيٍّ يُمْنى) يراق في الرحم. من ذكّر فللمني ، ومن أنّث فللنطفة. والنطفة اسم لما ينطف كالقبضة لما يقبض والغرفة لما يغرف إلا أنها غلبت على الماء المخصوص الذي هو للحيوان بمنزلة البذر للنبات. والمني «فعيل» بمعنى «مفعول» من المني بالسكون وهو الدفق غلب أيضا على الماء المخصوص فقوله (مِنْ مَنِيٍ) أي من هذا الجنس كالتأكيد لها. وقوله
__________________
(١) رواه مسلم في كتاب القسامة حديث ٣٦ ـ ٣٨. أبو داود في كتاب الديات باب ١٩. الترمذي في كتاب الديات باب ١٥. النسائي في كتاب القسامة باب ٣٩ ، ٤٠. ابن ماجه في كتاب الديات باب ١١. الدارمي في كتاب المقدمة باب ٥٤. أحمد في مسنده (٢ / ٢٧٤ ، ٤٩٨) (٤ / ٢٤٥).