أَسْرَهُمْ) أي ربطهم وتوثيقهم ومنه أسر الرجل إذا أوثق بالقد وبه سمى القد أسرا. والمعنى ركبناهم تركيبا محكما وتقنا مفاصلهم بالأعصاب والربط والأوتار حسب ما يحتاجون إليه في التصرف لوجوه الحوائج (وَإِذا شِئْنا) أهلكناهم بالنفخة و (بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ) في شدة الأسر عند النفخة الثانية. وقال جار الله: قيل معناه بدلنا غيرهم ممن يطيع وحقه أن يجيء بأن لا بإذا كقوله (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ) [محمد: ٣٨] ممن يطيع (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) [إبراهيم: ١٩] قال الإمام فخر الدين الرازي: هذا الكلام كأنه طعن في لفظ القرآن وهو ضعيف لأن كل واحد من «إذا» «وإن» حرف الشرط. قلت: ما ذكره جار الله ليس طعنا في القرآن وإنما هو طعن في نفس ذلك القول بناء على أن «إذا» لا تستعمل إلا فيما كان مقطوع الوقوع كالإماتة بالنفخة الأولى والإحياء في النشأة الأخرى. أما الإهلاك على سبيل الاستئصال فذلك غير مقطوع به فلهذا ألا يحسن تفسير اللفظ به وتعين التفسير الأول ، والمبادرة بالاعتراض قبل الفهم التام ليس من دأب العلماء المتقين فعجب من مثله ذلك. قوله (إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) قد مر في «المزمل» والمقصود من إعادته أن هذه السورة بما فيها من الترتيب الأنيق تبصرة للمتأملين المتخذين إلى كرامة الله سبيلا بالطاعة والانقياد ، وفيه دليل للقدري. وفي قوله (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) إلى آخر السورة دليل للجبري والتوفيق بينهما مفوض إلى فهم أهل التوفيق وقدمنا فيه التحقيق. وانتصب (الظَّالِمِينَ) بفعل يفسره معنى أعد أو وعدت ونحوهما أوعد ، وبالله التوفيق وإليه المصير والمآب.