انحطاطهن بالوحي أو نشرن الشرائع في الأرض. أو أحيين النفوس الميتة بما أوحين ففرقن بين الحق والباطل فألقين ذكرا إلى الأنبياء (عُذْراً) للمحقين (أَوْ نُذْراً) للمبطلين. قال الأخفش والزجاج: هما بالسكون مصدران كالشكر والكفر ، والضم لغة في كل منهما كالنكر والنكر ، والمعنى إعذارا أو إنذارا وكل منهما بدل من (ذِكْراً) أو مفعول له. وقال أبو عبيد: بالثقل جمع عذير بمعنى المعذرة وجمع نذير بمعنى الإنذار أو بمعنى العاذر والمنذر فيكونان حالين من الإلقاء أي عاذرين أو منذرين الوجه الثاني أنها الرياح أقسم الله سبحانه برياح عذاب أرسلهن متتابعة فعصفن عصفا ورياح رحمة نشرن السحاب في الجو ففرقن بينه كقوله (وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً) [الروم: ٤٨] فألقين ذكرا إي صرن سببا في حصول الذكر لأن الإنسان العاقل إذا شاهد تلك الرياح التجأ إلى ذكر الله والتضرع إليه فيكون عذرا للذين يعتذرون إلى الله عزوجل بالتوبة والاستغفار ، وإنذارا للذين يغفلون عن الله ويغفلون شكره إذ ينسبونها إلى الأنواء. والوجه الثالث إنها القرآن وآياته أرسلت متتابعة أو بكل معروف وخير فعصفت أي قهرت سائر الملل والأديان والكتب أي ابتدأن بالقهر والنسخ عقيب الإرسال ، ونشرن بعد ذلك بالتدريج آثار الحكم وأنوار الهداية في قلوب العالمين ففرقت بين الحق والباطل وألقت الذكر والشرف إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وأمته كما قال (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) [الزخرف: ٤٤] الرابع أنها طوائف الأنبياء أرسلوا بالوحي المستعقب لكل خير ومفتاحه «لا إله إلا الله» فأخذ أمرهم في العصوف والاشتداد إلى أن بلغ غايته وانتشرت دعوتهم ففرقوا بين المؤمن والكافر ، والمقر والجاحد ، وألقوا الذكر والتوحيد إلى الناس كافة أو إلى طائفة معينين. الخامس وهو بالتأويل أشبه أن المرسلات هي الدواعي والإلهامات الربانية أرسلت فأخذت في العصوف والاشتداد بحيث أزالت عن القلب حب ما سوى الله وانبثت آثارها في سائر الأعضاء والجوارح ، فلا يسمع إلا بالله ولا يبصر إلا بالله ، وكذا البطش والمشي وسائر الحركات والسكنات ، ففرقت بين الوجود المجازي وهو وجود سوى الله وبين الوجود الحقيقي وهو البقاء بالله ، وألقت الذكر على كل الجوارح فلم يذكر غير الله. وأما الاحتمال الثاني ففيه وجوه أيضا أحدها: وهو المنقول عن الزجاج واختاره القاضي أن الثلاث الأول هي الرياح كما في الوجه الثاني من الوجوه المتقدمة ، والباقيتان الملائكة كما مر في الوجه الأول منها. ووجه الجمع بين الرياح والملائكة هو اللطافة وسرعة الحركة. وثانيها أن الأولين هما الرياح والثلاثة الأخيرة هي الملائكة لأنها تنشر الوحي ، ثم يعقبه أثران ظهور الفرق بين أولياء الله وأعدائه ودوران ذكر الله على القلوب والألسن. وقد يتأيد هذا الوجه بعطف الثانية على الأولى بفاء الوصل المنبئ عن التعقيب والتسبيب. ثم التنسيق بالواو