قوله (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) توبيخ وتخويف من وجهين أحدهما: أن النعمة كلما كانت أعظم كان كفرانها أفحش. والثاني أن القادر على الإبداء أقدر على الإعادة فالمنكر لهذا الدليل الواضح يستحق غاية التوبيخ. ثم عد عليهم نعم الآفاق بعد ذكر الأنفس. والكفات اسم ما يكفت أي يضم ويجمع ، ويجوز أن يكون اسما لما يكفت به مبينا للمفعول كالشداد لضمام يشد به رأس القارورة. وانتصب (أَحْياءً وَأَمْواتاً) بفعل مضمر دل عليه هذا الاسم أي تكفت أحياء على ظهرها وأمواتا في بطنها. والتنكير للتفخيم أي أحياء وأمواتا لا تعد ولا تحصى. وجوز انتصابهما على الحال والضمير الذي هو ذو الحال محذوف للعلم به أي تكفتكم في حال حياتكم وفي حال مماتكم. وقيل: معنى كونها كفاتا أنها تجمع ما ينفصل منهم من المستقذرات وقيل: معناه أنه جامعة لما يحتاجون إليه في التعيش. وقيل: هما راجعان إلى الأرض يعني ما ينبت وما لا ينبت. والكل بتكلف. والوجه هو الأول. وباقي الآية ظاهر مما سلف مرارا. ثم أخبر عما يقال للمكذبين في يوم الفصل فقال (انْطَلِقُوا) أي يقال لهم انطلقوا لما كذبتم به من العذاب. ثم بين ما أجمل بقوله (انْطَلِقُوا) يروى أن الشمس تقرب يوم القيامة لرؤوس الخلائق وليس عليهم يومئذ لباس فتلفحهم الشمس وتسفعهم وتأخذ بأنفاسهم ، ويحمي الله برحمته من يشاء إلى ظل من ظلاله فهناك يقولون (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) [الطور: ٢٥] ويقال للمكذبين (انْطَلِقُوا إِلى ما كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) من عذاب الله وعقابه (انْطَلِقُوا إِلى ظِلٍ) قال الحسن: ما أدري ما هذا الظل ولا سمعت فيه بشيء فقال قوم: سمى النار بالظل مجازا. وشعبها الثلاث كونها من فوقهم ومن تحت أرجلهم ومحيطة بهم. وعن قتادة: هو الدخان شعبة عن يمينهم وأخرى عن يسارهم والثالثة من فوق ، تظلهم حتى يفرغ من حسابهم والمؤمنون في ظل العرش. وقال في الكشاف: هو عبارة عن عظم الدخان. فالدخان العظيم تراه يتفرق ذوائب وقال أهل التأويل: الشعب الثلاث هي القوة الغضبية ومنشؤها القلب في الجانب الأيسر ، والشهوية ومنشؤها الكبد في الجانب الأيمن ، والشيطانية ومنشؤها الدماغ من فوق ، فيتولد من اتباع هذه الثلاثة ثلاثة أنواع من الظلمات. وقال أبو مسلم: هي الأوصاف الثلاثة التي ذكرها الله تعالى عقيبه وهي (لا ظَلِيلٍ وَلا يُغْنِي مِنَ اللهَبِ إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ) وفيه تهكم بهم وتعريض بأن ظلهم غير ظل المؤمنين أي ذلك الظل غير مانع حر الشمس وغير مغن من حر اللهب شيئا أي لا روح كما قال في الواقعة (لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) [الآية: ٤٤] يقال أغن عني وجهك أي أبعده لأن الغني عن الشيء يباعده كما أن المحتاج إليه يقاربه. وإنما عدي في الآية بـ «من» لأنه أراد أن ابتداء الإغناء منه ، وعن قطرب أن اللهب هاهنا هو العطش. ثم شبه الشرر وهو ما يتطاير