أي مكتوبا في اللوح أو في صحف الأعمال. قال جار الله: هذه جملة معترضة. أقول: إنها من تمام التعليل المذكور أي فعلوا كذا وكذا ونحن عالمون بجميع الكليات والجزئيات فلهذا كتبنا جزاء العاصين على وفق أعمالهم.
ثم أظهر غاية السخط بطريق الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ، والتعقيب بفاء الجزاء الدال على أن المذكور سبب عن كفرهم بالحسنات وتكذيبهم بالآيات. وزيادة العذاب يحتمل أن تكون لأجل أن المؤثر إذا استمرّ ودام ازداد الإحساس بأثره ، ويحتمل أن يكون لازدياد كفرهم وعتوّهم حينا بعد حين كقوله (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة: ١٢٥] ويحتمل أن تكون زيادة العذاب عبارة عن نفس استمراره لأنه يتزايد بمرور الزمان ، والمراد انا لن نخلصكم من العذاب إلى خلافه. ثم شرع في شرح أحوال السعداء قائلا (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) فوزا وظفرا بالمطالب والأماني أو موضع فوز ثم فسره بقوله (حَدائِقَ) إلخ. والحدائق البساتين فيها أنواع الشجر وقد مرّ في قوله (حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ) [النمل: ٦٠] وخص منها الأعناب لشأن مزيته على سائر الفواكه. والكواعب النواهد واحدها كاعب كطالق وطامث وهي التي ظهر ثديها كالكعب لها نتوّ قليل. والأتراب اللدات. والدهاق المترعة المملوءة وهذا قول أكثر أهل اللغة كأبي عبيدة والزجاج والكسائي والمبرد. يروى أن ابن عباس دعا غلاما له فقال: اسقنا دهاقا فجاء الغلام بها ملانة فقال ابن عباس: هذا هو الدهاق. وعن أبي هريرة وسعيد بن جبير ومجاهد: هي المتتابعة. قال الواحدي: وأصل هذا من قول العرب أدهقت الحجارة إدهاقا وهو شدّة تلازمها ودخولها بعضها في بعض. وعن عكرمة: دهاقا أي صافية. والدهاق على هذا القول يجوز أن يكون جمع دهق وهي خشبتان يعصر بهما. والكأس الخمر أي خمرا ذات دهاق وهي التي عصرت وصفيت بالدهاق. و (لا يَسْمَعُونَ فِيها) أي في الجنة وهو الأظهر أو في الكأس وشربها (لَغْواً) كلاما باطلا (وَلا كِذَّاباً) أي لا يكذب بعضهم بعضا لأنهم إخوان الصفاء وأخذان الوفاء. ومن قرأ بالتخفيف فمعناه أنه لا يجري بينهم كذب أو مكاذبة. قال جار الله: (جَزاءً) مصدر مؤكد منصوب بمعنى قوله (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً) كأنه قال: جازى المتقين بمفاز و (عَطاءً) نصب بـ (جَزاءً) نصب المفعول به أي جزاهم عطاء. وقال الزجاج: المعنى جازاهم بذلك جزاء وأعطاهم عطاء. ومعنى (حِساباً) كافيا من أحسبه الشيء إذا كفاه حتى قال: حسبي. وقيل: أي على حسب أعمالهم فمعنى الحساب العدّ والتقدير لبعضهم عشرة ولبعضهم سبعمائة وأكثر. وقال ابن قتيبة: هو من أحسبت فلانا أي أكثرت له يعني عطاء كثيرا. وإنما قال في الأول (جَزاءً وِفاقاً) لأن جزاء السيئة