والاشغال. قال بعضهم: من لم يزجره عن المعاصي مراقبة الله إياه كيف يردّه عنها الكرام الكاتبون؟ قلت: لا ريب أن الأول أصل والثاني فرع إلا أن المكلف لإلفه بالمحسوسات يزجره ما هو أقرب إلى عالم الحس أكثر ما يزجره ما هو أقرب إلى عالم الأرواح ولهذا تقع الزواجر والروادع في المدينة الفاضلة. ثم ذكر فائدة كتابة الحفظة وغايتها فقال (إِنَّ الْأَبْرارَ) إلى آخره. يحكى أن سليمان بن عبد الملك مر بالمدينة وهو يريد مكة فقال لأبي حازم: كيف القدوم على الله غدا؟ فقال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه. قال: فبكى ثم قال: ليت شعري مالنا عند الله فقال أبو حازم: اعرض عملك على كتاب الله قال: في أي مكان؟ قال في قوله (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) قال جعفر الصادق: النعيم المعرفة والمشاهدة ، والجحيم ظلمات الشهوات. وقال آخرون: النعيم القناعة والتوكل ، والجحيم الطمع والحرص ، وقال العارفون: النعيم الاشتغال بالله والجحيم الاشتغال بما سواه. وقوله (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) كقوله وما هم بخارجين منها أو أراد ما كانوا يغيبون عنها قبل ذلك أي في قبورهم فيكون قد بين حال البرزخ كما شرح حال المبدأ والمنتهى. ثم نبه بقوله (وَما أَدْراكَ) مرتين أن يوم الدين مما لا يكتنه كنه شدته ، والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم لأنه لم يعرفه إلا بالوحي. وقيل: للكافر. ثم وصفه مجملا بقوله (يَوْمَ لا تَمْلِكُ) إلى آخره أي لا ملك ولا تصرف في ذلك بظاهر وحقيقة الإله تعالى.