التفسير: لما أخبر في خاتمة السورة المتقدمة أن في الأمة مكذبين سلى نبيه صلىاللهعليهوسلم بأن سائر الأمم السالفة كانوا كذلك كأصحاب الأخدود وكفرعون وثمود. أما البروج فأشهر الأقوال أنها الأقسام الاثنا عشر من الفلك الحمل والثور إلى آخرها. وإنما أقسم بها لشرفها حيث نيط تغيرات العالم السفلي بحلول الكواكب فيها. وقيل: هي منازل القمر الثمانية والعشرون. وقيل: وقت انشقاق السماء وانفطارها وبطلان بروجها. أما الشاهد والمشهود فأقوال المفسرين فيهما كثيرة ، وقد ضبطها القفال بأن اشتقاقهما إما من الشهود الحضور ، وإما من الشهادة والصلة محذوفة أي مشهود عليه أو به. والاحتمال الأول فيه وجوه الأول: وهو مروي عن ابن عباس والضحاك ومجاهد والحسن بن عليّ وابن المسيب والنخعي والثوري ، أن المشهود يوم القيامة والشاهد الجمع الذي يحضرون فيه من الملائكة والثقلين الأولين والآخرين لقوله (مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [مريم: ٣٧] (ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) [هود: ١٠٣] قال جار الله: وطريق تنكيرهما ما مرّ في قوله (عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ) [التكوير: ١٤] كأنه قيل: وما أفرطت كثرته من شاهد ومشهود. ويجوز أن يكون للتعظيم أي شاهد ومشهود لا يكتنه وصفهما. وإنما حسن القسم بيوم القيامة لأنه يوم الفصل والجزاء وتفرد الله بالحكم والقضاء. الثاني وهو قول ابن عمر وابن الزبير أن المشهود يوم الجمعة وأن الشاهد الملائكة. روى أبو الدرداء أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «أكثروا الصلاة عليّ يوم الجمعة فإنه يوم مشهود نشهده الملائكة». الثالث أنّه يوم عرفة والشاهد من يحضره من الحجاج قال الله تعالى (يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ) [الحج: ٢٧] وحسن القسم به تعظيما لأمر الحج. يروى أنه تعالى يقول للملائكة يوم عرفة «انظروا إلى عبادي شعثا غبرا أتوني من كل فج عميق أشهدكم أني قد غفرت لهم وأن إبليس يصرخ ويضع التراب على رأسه لما يرى في ذلك اليوم من نزول الرحمة» (١) الرابع أنه يوم النحر لأن أهل الدنيا يحضرون في ذلك اليوم بمنى والمزدلفة. الخامس أنهما كل يوم فيه اجتماع عظيم للناس فيتناول الأقوال المذكورة كلها ، والدليل عليه تنكيرهما لأن القصد لم يكن فيه إلى يوم بعينه. والاحتمال الثاني فيه أيضا وجوه أحدها: أن الشاهد هو الله تعالى والمشهود به هو التوحيد لقوله (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران: ١٨] وثانيها الشاهد هو الأنبياء والمشهود عليه النبي صلىاللهعليهوسلم لقوله (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ) [النساء: ٤١] وثالثها العكس لقوله (وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء: ٤١] ورابعها الشاهد الحفظة والمشهود عليه المكلفون لقوله (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) [ق: ٢١] (وَإِنَّ
__________________
(١) رواه أحمد في مسنده (٢ / ٢٢٤ ، ٣٠٥).