وكلوا بذلك وجعلوا شهودا يشهد بعضهم لبعض عند الملك أن أحدا منهم لم يفرط فيما أمر به من التعذيب ، ويجوز أن يراد شهادة جوارحهم على ذلك يوم القيامة. ثم ذم أولئك الجبابرة بما في ضمنه مدح المؤمنين قائلا (وَما نَقَمُوا مِنْهُمْ) أي وما عابوا وما أنكروا عليهم (إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا) وإنما اختير بناء الاستقبال رمزا إلى أنهم كانوا يطلبون منهم ترك الإيمان في المستقبل ولم يعذبوهم على الإيمان في الماضي أي عذبوهم على ثباتهم وصبرهم على إيمانهم بمن يستحق أن يؤمنوا به لكونه إلها قادرا لا يغالب بليغا في الكمال بحيث استأهل الحمد كله مالكا لجميع المخلوقات. وفيه إشارة إلى أنه لو شاء لمنعهم عن ذلك التعذيب لكنه أخرهم إلى يوم الجزاء ودل عليه بقوله (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ثم عم الوعيد في آيتين أخريين والفتنة البلاء والإيذاء والإحراق. وفي قوله (ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) دلالة على أن توبة القاتل عمدا مقبولة خلاف ما يروى عن ابن عباس. وعذاب جهنم وعذاب الحريق إما متلازمان كقوله:
إلى الملك القرم |
|
وابن الهمام |
والغرض التأكيد وإما مختلفان في الدركة: الأول لكفرهم ، والثاني لأنهم فتنوا أهل الإيمان. وجوز أن يكون الحريق في الدنيا لما روي أن النار انقلبت عليهم فأحرقتهم. ثم رغب ورهب بوجه آخر في آيات والبطش الأخذ بالعنف فإذا وصف بالشدّة كان نهاية. ثم أكده بقوله (إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ) البطش (وَيُعِيدُ) أي يبطش بالجبابرة في الدنيا والآخرة. ويجوز أن يدل باقتداره على الإبداء والإعادة على شدّة بطشه وقوته. وفيه وعيد للكفرة بأنه يعيدهم كما بدأهم ليبطش بهم إذ كفروا بنعمة الإبداء وكذبوا بالإعادة. قال ابن عباس: إن أهل جهنم تأكلهم النار حتى يصيروا فحما ثم يعيدهم خلقا جديدا فذلك قوله (هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ) والودود بليغ الودادة والمراد به إيصال الثواب لأهل طاعته إلى الوجه الأتم فيكون كقوله ويحبهم [المائدة: ٥٤] وإن شئت قلت: هو بمعنى مفعول فيكون كقوله (وَيُحِبُّونَهُ) [المائدة: ٥٤] وقال القفال: ويكون بمعنى الحليم من قولهم «فرس ودود» وهو المطيع القياد. قال في الكشاف (فَعَّالٌ) خبر مبتدأ محذوف. قلت: الأصل عدم الإضمار فالأولى أن يكون خبرا آخر بعد الأخبار السابقة ، ولعله حمله على ذلك كونه نكرة وما قبله معارف والعذر عنه من وجهين: أحدهما قطع النسق بقوله (ذُو الْعَرْشِ) ولا سيما عند من يجوّز (الْمَجِيدُ) صفة العرش. والثاني تخصيص (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) فإنه صيره مضارعا للمضاف. قال: وإنما قيل (فَعَّالٌ) لأن ما يريد ويفعل في غاية الكثرة. قلت: ويجوز أن يكون المعنى أن ما يريده فإنه يفعله البتة لا يصرفه عنه صارف. ثم ذكرهم وسلى نبيه صلىاللهعليهوسلم بقصة (فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ) من