كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ) [يونس: ٣٠] ومثله قول ابن عمر: يبدي الله يوم القيامة كل سرّ منها فيكون زينا في الوجوه وشينا في الوجوه. يعني من أدّاها كان وجهه مشرقا ومن ضيعها كان وجهه مغبرا. ثم نفى القوة الذاتية والقوة العرضية الخارجية عن الإنسان يومئذ بقوله (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) ثم أكد حقية القرآن الذي فيه هذه البيانات الشافية والمواعظ الوافية فقال (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) أي المطر لأن الله يرجعه وقتا فوقتا أو على سبيل التفاؤل أو زعما منهم أن السحاب يحمل الماء من البحار ثم يرجعها إليها. والصدع ما تتصدع عنه الأرض من النبات. وقيل: الرجع الشمس والقمر يرجعان بعد مغيبهما ، والصدع الجبلان بينهما شق وطريق. والضمير في (إِنَّهُ) للقرآن والفصل الفاصل بين الحق والباطل كما قيل له «فرقان». وقال القفال: أراد إن هذا الذي أخبرتكم به من قدرتي على الرجع كقدرتي على الإبداء قول حق. ثم أكد حقيته بقوله (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ) لأن البيان الفصل لا يذكر إلا على سبيل الجد والاهتمام بشأنه وأعلاها أن يكون خاشعا باكيا كقوله (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) [مريم: ٥٨] ثم سلى نبيه وحثه على الصبر الجميل فقال (إِنَّهُمْ) يعنى أشراف مكة (يَكِيدُونَ كَيْداً) في إطفاء نور الحق وذلك بإلقاء الشبهات والطعن في النبوّة والتشاور في قتل النبي صلىاللهعليهوسلم كقوله (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال: ٣٠] (وَأَكِيدُ كَيْداً) سمي جزاء الكيد بالاستدراج والإمهال المؤدي إلى زيادة الإثم الموجبة لشدّة العذاب كيدا. ثم أنتج من ذلك قوله (فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ) أي لا تدع بهلاكهم ولا تستعجل به. ثم كرر ذلك المعنى للمبالغة ووصف الإمهال بقوله (رُوَيْداً) أي سهلا يسيرا. والتركيب يدل على الرفق والتأني ومنه قولهم في باب أسماء الأفعال «رويد زيدا» أي أروده إروادا وأرفق به فكأنه سبحانه قال: مهل مهل مهل ثلاث مرات بثلاث عبارات وهذه نهاية الإعجاز. وأجل الإمهال يوم بدر أو يوم القيامة وهذا أولى ليعم التحذير عن مثل سيرتهم ويتم الترغيب في خلاف طريقهم والله المستعان على ما تصفون.