بدليل قوله (كَيْفَ خُلِقَتْ كَيْفَ رُفِعَتْ كَيْفَ نُصِبَتْ كَيْفَ سُطِحَتْ) وليس في السطح دلالة على عدم كرية الأرض لأنها في النظر مسطحة وقد تكون في الحقيقة كرة إلا أنها لعظمها لا تدرك كريتها. ثم أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بتذكير الأمة بهذه الأدلة وأمثالها لأن أمره مقصور على كونه مذكرا لا منحطا إلى كونه مسيطرا أي مسلطا عليهم فإن أراد بالتسليط القهر أو بالإكراه بمعنى خلق الهداية فيهم فالآية ثابتة لأن ذلك لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى ، وعلى هذا يكون الاستثناء منقطعا. وإن أراد القتال معهم إن لم يؤمنوا فالآية منسوخة وهذا قول كثير من المفسرين ، وعلى هذا فالأظهر أن يكون الاستثناء في قوله (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ) متصلا لا باعتبار الحال فإن السورة مكية ولكن بالنظر إلى الاستقبال أي إلا المصرين على الإعراض والكفر فإنك تصير مأمورا بقتالهم مستوليا عليهم بالغلبة والقهر. وقيل: هو استثناء منقطع أي لست بمستول عليهم ولكن من تولى وكفر فإن لله الولاية والقهر فهو يعذبه العذاب الأكبر الذي هو القتل والسبي أو عذاب الدرك الأسفل. وقيل: هو استثناء من قوله (فَذَكِّرْ) أي فذكر إلا من انقطع طمعك من إيمانه وتولى فاستحق العذاب الأكبر وما بينهما اعتراض. ويرد أنه صلىاللهعليهوسلم لا ينقطع طمعه من إيمان الكفرة ما داموا أحياء إلا أن يعلمه الله بذلك ، وعلى تقدير الإعلام أيضا لا يجوز أن يقطع التذكير لأن الدعوة عامة في الأصل ولو جعلت خاصة لم تبق مضبوطة كرخصة المسافر مثلا. ثم ختم السورة بما يصلح للوعد والوعيد والترغيب والترهيب. ومن قرأ (إِيابَهُمْ) بالتشديد فإما أن يكون «فيعالا» مصدر «فيعل» من الإياب ، وأما أن يكون أصله «أوّابا» فعالا من «أوّب» ثم قلبت إحدى الواوين ياء كما في «ديوان» ثم الأخرى كما في «سيد». قال جار الله: فائدة تقديم الظرف في الموضعين الحصر أي ليس ينبغي أن يكون مرجعهم إلا إلى الجبار المقتدر على توفية جزاء كل طائفة ولا أن يكون حسابهم واجبا إلا على حكمة من هو أحكم الحاكمين ورب العالمين.