عن الجماع وأمر أهله بالتهجد. وأما الشفع والوتر فمعناهما الزوج والفرد. والوتر بالفتح لغة أهل العالية ، وبالكسر لغة تميم. واختلف المفسرون فيهما اختلافا عظيما فمنهم من حملهما على الأشياء كلها لأن الموجودات لا تخلو من هذين القسمين فتكون كقوله (فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ) [الحاقة: ٣٨ ، ٣٩] وقيل: الشفع صفات الخلق كالعلم والقدرة والحياة ، ونقائضها الجهل والعجز والموت. والوتر صفات الحق وجود بلا عدم وقدرة بلا عجز وعلم بلا جهل وحياة بلا موت. وقيل الشفع والوتر: نفس العدد وكأنه تعالى أقسم بالحساب الذي لا بد للخلق منه فهو في معرض الامتنان بمنزلة العلم والبيان في قوله (عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق: ٤ ، ٥] الرابع الشفع الممكنات (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) [الذاريات: ٤٩] والوتر الواجب تعالى وتقدّس. الخامس الشفع الصلوات الثنائية والرباعية والوتر الثلاثية ، عن عمران بن حصين عن النبي صلىاللهعليهوسلم «إن الصلاة منها شفع ومنها وتر». (١) السادس الشفع درجات الجنة وأبوابها وهي ثمانية ، والوتر دركات النار وأبوابها وهي سبعة. السابع الشفع البروج الاثنا عشر ، والوتر الكواكب السبعة. الثامن الشفع الشهر الذي يكون ثلاثين والوتر تسعة وعشرون. التاسع الشفع السجدتان والوتر الركوع. العاشر الشفع العيون الاثنا عشر لموسى (فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً) [البقرة: ٦٠] والوتر معجزاته (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) [الإسراء: ١٠١] وأظهر الأقوال ما روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أن الشفع يوم النحر والوتر يوم عرفة لأنه تاسع أيام الليالي المذكورة. وحين أقسم بالليالي المخصوصة أقسم على العموم بالليل إذا يسري أي إذا يمضي كقوله والليل إذا أدبر [المدثر: ٣٣] وعن مقاتل: هو ليلة المزدلفة. وعلى هذا جوّز أن يراد بالسري الإسناد المجازي لأن الساري فيه هو الحاج. يروى أنه صلىاللهعليهوسلم كان يقدّم ضعفة أهله في هذه الليلة. والحجر بالكسر العقل سمي بذلك لأنه يمنع من الوقوع فيما لا ينبغي كما سمي عقلا ، ونهي لأنه يعقل وينهى ، وحصاة لأنه يحصى أي يضبط. قال الفراء: يقال إنه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها. والمراد بالاستفهام تقرير أن هذه المذكورات لشرفها وعظم شأنها يحق أن يؤكد بمثلها المقسم عليه كمن ذكر حجة باهرة ثم قال: هل فيما ذكرته حجة يريد أنه لا حجة فوق هذا ومن هنا قال بعضهم: فيه دليل على أنه تعالى أراد رب هذه الأشياء ليكون غاية في القسم. ولقائل أن يقول: المقنع والكفاية غير الغاية والنهاية. ثم إنه تعالى ذكر للعبرة ولتسلية نبيه صلىاللهعليهوسلم قصة ثلاث فرق على سبيل الإجمال لأنهم أعلام في القوة
__________________
(١) رواه الترمذي في كتاب تفسير سورة ٨٩. أحمد في مسنده (٤ / ٤٣٧ ، ٤٣٨ ، ٤٤٢).