ولا ريب أن مجموع الأمرين أو الأمور أشرف من أن ساد هو بنفسه فقط. وحين ذكر خصال الكمال عقبه بما يدل على التكميل قائلا (تَواصَوْا) أي أوصى بعضهم بعضا (بِالصَّبْرِ) على التكاليف الشرعية وعلى البلايا والمحن التي قلما يخلوا المؤمن عنها (وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ) أي التعاطف والتراحم كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم «لا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا إخوانا متعاضدين». (١) وفي الآية نكتة لطيفة وهي أنه سبحانه ذكر في باب الكمال أمرين: فك الرقبة والإطعام ثم الإيمان ، وذكر في باب التكميل شيئين: التواصي بالصبر على الوظائف الدينية والتواصي بالتراحم ، وكل من النوعين مشتمل على التعظيم لأمر الله والشفقة على خلق الله إلا أنه في الأول قدّم جانب الخلق ، وفي الثاني قدم جانب الحق. ففي الأول إشارة إلى كمال رحمته ونهاية عنايته بالمخلوقات فإن رعاية مصالحهم عنده أهمّ ، وفي الآخر رمز إلى حسن الأدب وتعليم للمكلفين أن يعرفوا ما هو الأقدم الأهمّ في نفس الأمر زادنا الله اطلاعا على دقائق هذا الكتاب الكريم. قوله (أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) و (أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ) مر في أول الواقعة تفسيرهما. قال أهل اللغة: أوصدت الباب وآصدته بالواو وبالهمز أي أطبقته وأغلقته. قال مقاتل: فلا يخرج أحد منها ولا يدخل روح فيها. والإيصاد بالحقيقة صفة أبواب النار أي مؤصدة أبوابها فهو من الإسناد المجازي. وقيل: أراد إحاطة النار بهم من جميع الجوانب نعوذ بالله منها.
__________________
(١) رواه البخاري في كتاب البيوع باب ٥٨ ، ٦٤. مسلم في كتاب النكاح حديث ٥٢. أبو داود في كتاب البيوع باب ٤٤. الترمذي في كتاب البيوع باب ٦٥. النسائي في كتاب النكاح باب ٧٠. ابن ماجه في كتاب التجارات باب ١٤. الدارمي في كتاب البيوع باب ٣٣. الموطأ في كتاب البيوع حديث ٩٦. أحمد في مسنده (٢ / ٢٧٤ ، ٢٨٧).