غنمتي حتى أدخل مكة فأسمر بها كما يسمر الشبان. فلما أتيت أول دار من دور مكة سمعت الدفوف والمزامير فقالوا: فلان تزوّج بفلانة. فجلست أنظر إليهم فضرب الله على أذني فما أيقظني إلا مسّ الشمس. ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك. فضرب الله على أذني فما أيقظني إلا مسّ الشمس. ثم ما هممت بعدهما بسوء حتى أكرمني الله برسالته. والعائل في الأصل كثير العيال ثم أطلق على الفقير وإن لم يكن له عيال لأن الفقر من لوازم العول. أغناه الله بتربية أبي طالب أوّلا ، ولما اختلت أحوال أبي طالب أغناه بمال خديجة. يروى أنه صلىاللهعليهوسلم دخل على خديجة وهو مغموم فقالت له: ما لك؟ فقال: الزمان زمان قحط فإن أنا بذلت المال ينفد مالك فأستحيي منك ، وإن أنا لم أبذل أخاف الله. فدعت قريشا وفيهم الصدّيق. قال الصدّيق: فأخرجت دنانير حتى وصبتها أبلغت مبلغا لم يقع بصري على من كان جالسا قدامي ثم قالت: اشهدوا أن هذا المال ماله إن شاء فرقه وإن شاء أمسكه. وأما في زمان الرسالة فأغناه لمال أبي بكر ثم أمره بالهجرة وأعانه بإعانة الأنصار حسبك الله ومن أتبعك من المؤمنين. ثم أغناه بما أفاء عليه من الغنائم. قال صلىاللهعليهوسلم «جعل رزقي تحت ظل رمحي» وبعض هذه الأمور وإن كان بعد نزول السورة إلا أن معلوم الله كالواقع فيكون من قبيل الإخبار بالغيب وقد وقع فيكون معجزا. وقيل: الغنى هو القناعة وغنى القلب كان صلىاللهعليهوسلم يستوي عنده الحجر والذهب. قال أهل التحقيق: الحكمة في يتم النبي صلىاللهعليهوسلم أن يعرف قدر الأيتام فيقوم بأمرهم. وأن يكرم اليتيم المشارك له في الاسم كما قال صلىاللهعليهوسلم «إذا سميتم الولد محمدا فأكرموه وسعوا له في المجلس» وفيه أنه لا يعتمد من أول عمره إلى آخره على أحد سوى الله فيحصل له فضيلة التوكل كما قال جده إبراهيم «حسبي من سؤالي علمه بحالي». وفيه أن اليتم منقصة ومذلة فإذا صار أكرم الخلق كان من جنس المعجزات. يروى أنه صلىاللهعليهوسلم قال: سألت ربي مسألة لوددت أني لم أسألها قلت: اتخذت إبراهيم خليلا ، وكلمت موسى تكليما ، وسخرت مع داود الجبال ، وأعطيت سليمان كذا وكذا. يقال: ألم أجدك يتيما فآويتك ، ألم أجدك ضالا فهديتك ، ألم أجدك عائلا فأغنيتك؟ قلت: بلى. قال» (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح: ١] إلى آخره؟ قلت: بلى. أقول: إن صح إسناد هذا الحديث وجب حمله على الشكاية مع الله أو إلى الله لا من الله ، فإن الأول قد يتفق للعارفين في مقام الانبساط والقبض دون الثاني. وحين أذكره الله تعالى نعمه حتى لا ينسى نفسه أوصاه بأن يتعامل مع الخلق مثل معاملة الله معه فقال (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) أي فلا تغلبه على ماله وحقه لضعف حاله. وانتصب اليتيم بالفعل بعده. والفاء لتلازم ما بعدها لما قبلها. وقرئ «فلا تكهر» أي فلا تعبس في وجهه. يروى أنها نزلت حين صاح النبي صلىاللهعليهوسلم على ولد