ثم قال لنبيه عليهالسلام (فَإِنْ أَعْرَضُوا) عن التوحيد بعد هذا البيان الباهر والبرهان القاهر (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) لأن الإصرار على الجهل بعد وضوح الحق عناد ، ولا علاج للمعاند سوى التأديب بما يناسبه. يروى أن أبا جهل قال في ملأ من قريش: قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم لنا رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر فكلمه ثم أتانا ببيان عن أمره. فقال عتبة بن ربيعة: أنا ذاك. فأتاه وقال: أنت خير أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فبم تشتم آلهتنا وتضللنا. وعرض عليه الرياسة والنساء والأموال إن ترك ذلك فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم: بسم الله الرحمن الرحيم إلى قوله (مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فهال عتبة بذاك وناشده بالرحم ورجع ولم يأت قريشا. فلما احتبس عنهم قالوا: ما نرى عتبة إلا قد صبأ. فانطلقوا إليه فقال: والله لقد كلمته فأجابني بشيء ، والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ولما بلغ (صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) ناشدته بالرحم أن يكف. ولقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب. فإن قيل: كيف يصح هذا الإنذار وقد أخبر الله سبحانه في قوله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال: ٣٣] وإن هذه الأمة آمنون من العذاب؟ قلنا: الأنفال مدينة وهذه مكية. قوله (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) قيل: الضميران عائدان إلى الرسل أي جاءهم رسل بعد الرسل. وقيل: من بين أيديهم أي حذروهم الدنيا (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) الآخرة. وقيل: من بين أيديهم الذين عاينوهم ، ومن خلفهم الذين وصل إليهم خبرهم وكتبهم. وحقيقة بين يديه أن يستعمل للشيء الحاضر ، ومجازه أن يستعمل للشيء الماضي بزمان قريب. وقال بعض المحققين: معناه أتاهم الرسل من كل جهة وأعملوا في إرشادهم كل حيلة (أَلَّا تَعْبُدُوا) ويجوز أن تكون «أن» مفسرة أو مخففة وضمير الشأن مقدر. والفاء في قوله (فَإِنَّا) للجزاء كأنه قيل: فإذا أنتم بشر ولستم بملائكة فانا لا نؤمن بكم. وقولهم (رَبُّنا) وكذا بما أرسلتم أي على زعمكم ، أو أرادوا التهكم. ثم فصل حال كل فريق قائلا (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) وهذا إخلال بالشفقة على الخلق (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) لأن الفاعل والعلة أقوى من القابل والمعلول ، والقوة في الإنسان نتيجة صحة البنية والاعتدال وحقيقتها زيادة القدرة فلذلك جاز أن يقال: الله أقوى منهم كما صح أن يقال: الله أقدر ، الله أكبر. وإن كان لا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي. وقوله (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) معطوف على قوله (فَاسْتَكْبَرُوا) وقالوا: إن التوبيخ المذكور وقع اعتراضا في البين. ثم أخبر عن إهلاكهم والصرصر الريح الباردة الشديدة