الله صلىاللهعليهوسلم أري في منامه بني أمية يطؤن منبره واحدا بعد واحد وفي رواية ينزون على منبره نزو القردة ، فشق ذلك عليه فأنزل الله تعالى (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) إلى قوله (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) يعني ملك بني أمية. قال القاسم: فحسبنا ملك بني أمية فإذا هو ألف شهر لا يزيد ولا ينقص ، وزيف بأن أيامهم كانت مذمومة فكيف تذكر في مقام التعظيم؟ وأجيب بأنها كانت أياما عظيمة بحسب السعادات الدنيوية فلا يمتنع أن يقول الله تعالى أعطيتك ليلة هي في السعادات الدينية أفضل من تلك الأيام في بابها. السادسة في الآية بشارة عظيمة للمطيعين وتهديد بليغ للعاصين. أما الأول فلأنه تعالى ذكر أن هذه الليلة خير من ألف شهر ولم يبين قدر الخيرية وهذا كقوله صلىاللهعليهوسلم «مبارزة علي مع عمرو بن عبد ودّ أفضل من عمل أمتي إلى يوم القيامة» وكأنه قال: هذا لك بذلك والباقي عليّ أعطيتك به ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. فمن أحيا ليلة القدر فكأنه عبد الله نيفا وثمانين سنة ، ومن أحياها كل سنة فكأنه رزق أعمارا كثيرة ، ومن أحيا ليالي الشهر لينالها بيقين فكأنه أحيا ليلة القدر ثلاثين قدرا. يروى أنه يجاء يوم القيامة بالإسرائيلي الذي عبد الله أربعمائة سنة ، ويجاء برجل من هذه الأمة وقد عبد الله أربعين سنة ، فيكون ثوابه أكثر. فيقول الإسرائيلي: أنت العدل وأرى ثوابه أكثر فيقول: لأنكم تخافون العقوبة المعجلة فعبدتموني وأمة محمد صلىاللهعليهوسلم كانوا آمنين لقوله (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) [الأنفال: ٣٣] ثم إنهم كانوا يعبدونني فلهذا السبب كانت عباداتهم أفضل ، وأما التهديد فلأن الظالم لا يخلصه من المظلوم أحد وإن أحيا مائة ليلة من القدر وكذا من عنده مظلمة لأحد وإن كانت بتطفيف حبة. السابعة أنه صح عن رسول الله قوله «أجرك على قدر نصبك» ومن المعلوم أن الطاعة في ألف شهر أشق من الطاعة في ليلة واحدة فما التوفيق بين الحديث والآية؟ والجواب أن الفعل الواحد قد يختلف حاله في الحسن والقبح بسبب اختلاف الاعتبارات الشرعية أو العقلية. فصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفرد بكذا درجة لأجل شرف الاجتماع. ولو قلت: لمن يرجم إنما يرجم لأنه زان فهو قول حسن ، ولو قلته للنصراني فقذف يوجب التعزير ، ولو قلته للمحصن فهو موجب للحد ، ولو قلته في حق عائشة كان كفرا وبهتانا عظيما وذلك لأنه طعن في حق عائشة التي كانت رجلا في العلم لقوله: «خذوا ثلثي دينكم من هذه الحميراء» وطعن في صفوان وهو رجل بدري وطعن في كافة المؤمنين لأنها أم المؤمنين وللولد حق المطالبة بقذف الأم وإن كافرا ، بل طعن في النبي صلىاللهعليهوسلم الذي هو أشرف المخلوقات ، بل طعن في حكمة الله إذ لا يجوز أن يتركه حتى يتزوج بامرأة زانية ، فتبين أن الأفعال تختلف آثارها في الثواب والعقاب باختلاف الجهات وبحسب الأزمنة والأمكنة ، وذلك من فضل الله وعنايته