(الْمَبْثُوثِ) وشبه الناس يومئذ بها لكثرتهم وانتشارهم ذاهبين في كل أوب كما شبههم بالجراد المنتشر في موضع آخر لذلك لا لصغر الجثة والنحول والضعف. وجوز بعضهم أن يكونوا أولا أكبر جثة فشبههم وقتئذ بالجراد ثم يؤل حالهم إلى الهزال والضعف لحر الشمس ولسائر أصناف المتاعب ، فشبهوا للضعف بالفراش. ويمكن أن يكون وجه التشبيه الذلة والضعف كقوله صلىاللهعليهوسلم «الناس اثنان: عالم ومتعلم وسائر الناس همج» (١) وشبه الجبال بالعهن لاختلاف أجزائها في الحمرة والبياض والسواد كما مر في «المعارج». وزاد هاهنا وصفه بالمنفوش لتفرق أجزائها وزوال تأليفها ثم قسم الناس فيه إلى قسمين بحسب ثقل موازين أعمالهم وخفتها وقد مر تحقيقه في «الأعراف». وقوله (راضِيَةٍ) من الإسناد المجازي كما مر في «الحاقة». وأما قوله (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) ففيه وجوه أحدها: أن الأم هي المعروفة والهاوية والهالكة وهذا من مستعملات العرب يقولون: هوت أمه أي هلكت وسقطت يعنون الدعاء عليه بالويل والثبور والخزي والهوان. وقال الأخفش والكلبي وقتادة: فأم رأسه هاوية في النار لأنهم يهوون في النار على رؤوسهم. وقيل: الأم الأصل والهاوية من أسماء النار لأنها نار عتيقة والمعنى: منزله ومأواه الذي يأوي إليه هو النار ويؤيد هذا الوجه قوله (ما هِيَهْ) أي ما الهاوية ، هذا هو الظاهر. والأولون قالوا: الضمير للداهية التي يدل عليها قوله (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) وفي قوله (نارٌ حامِيَةٌ) إشارة إلى أن نيران الدنيا بالنسبة إلى نار الآخرة غير حامية والله أعلم.
__________________
(١) رواه الدارمي في كتاب المقدمة باب ٣٢.