فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ) [التين: ٤] فابتدأ من الكمال إلى النقصان وقال هاهنا (لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) فعكس القضية لأن ذلك مذكور في أحوال البدن وهذا مذكور في أحوال النفس. قلت: يمكن أن يقال: إن كلتا الآيتين في شأن النفس إلا أنه أراد في «التين» ذكر استعداده الفطري وهو كرأس المال ، وهاهنا أراد حكاية معاملته بعد ما أعطى رأس المال. ولا ريب أن أكثرهم منهمكون في طلب اللذات العاجلة المضيعة للاستعداد الأصلي إلا الموفقين الموصوفين بالكمال والإكمال ، وفي إجمال الخسر وتسريحه إلى بقعة الإبهام ، ثم في تفصيل الربح بأنه منوط بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق وبالصبر دليل على غاية الستر والكرم وأن رحمته سبقت غضبه ، وفي لفظ التواصي دون الدعاء أو النصيحة تأكيد بليغ كأنه أمر مهتم به كالوصية ، وفيه أنهم من الذين ماتوا بالإرادة عن الشهوات الفانية فيكون أمرهم ونصيحتهم بمنزلة قول من أشرف على الوفاة ، والحق خلاف الباطل ، ويشتمل جميع الخيرات وما يحق فعله. وقوله و (بِالصَّبْرِ) يشتمل على جميع المناهي فهم بالحقيقة آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ، وفي لفظ المضي إشارة إلى تحقيق وقوعه منهم والله أعلم وبالله التوفيق.