عن معاوية أنه سأل ابن عباس بم سميت قريش؟ قال: بدابة البحر تأكل ولا تؤكل تعلو ولا تعلى وهي التي تعبث بالسفن ولا تنطلق إلا بالنار وأنشد:
وقريش هي التي تسكن البح |
|
ر بها سميت قريش قريشا |
فالتصغير للتعظيم والدابة القرش. وقيل: القرش الكسب لأنهم كانوا أهل كسب وتجارة فسموا بذلك. وقال الليث: كانوا متفرقين في غير الحرم فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم حتى اتخذوها مسكنا فسموا قريشا لأن التقرش التجمع ، وتقرش القوم اجتمعوا ولذلك سمي قصي مجمعا ، قال بعضهم:
أبوكم قصي كان يدعى مجمعا |
|
به جمع الله القبائل من فهر |
وقيل: القرش التفتيش. قال ابن حلزة:
أيها الشامت المقرش عنا |
|
عند عمر ووهل لذاك بقاء. |
وكانت قريش يتفحصون عن حال الفقراء ويسدّون خلة المحاويج. والرحلة اسم من الارتحال قال أكثر المفسرين: كانت لقريش رحلتان رحلة الشتاء إلى اليمن لأنه أدنى ، ورحلة الصيف إلى الشام وكانت معايشهم قد استقرت على ذلك كما قررنا. وقال آخرون: الرحلتان رحلة الناس إلى أهل مكة. أما في رجب فللعمرة ، وأما في ذي الحجة فللحج ، وكانت إحداهما في الشتاء ، والأخرى في الصيف وموسم منافع مكة يكون بهما. فلو كان تم لأصحاب الفيل ما أرادوه لتعطلت هذه المنفعة والتقدير: رحلتي الشتاء والصيف أو رحلة الشتاء ورحلة الصيف فاقتصر لعدم الإلباس. وفي قوله (فَلْيَعْبُدُوا) وجهان أحدهما: أن العبادة مأمور بها شكرا لما فعل بأعدائهم ولما حصل لهم من إيلافهم الذي صار سببا لطعامهم وأمنهم كما مر. وقوله (مِنْ جُوعٍ) كقولهم «سقاه من العيمة» وهي من التعليلية أي الجوع صار سببا للإطعام. وقوله (مِنْ خَوْفٍ) هي للتعدية يقال «آمنه الله الخوف ومن الخوف». الوجه الثاني: أن معناه فليتركوا رحلة الشتاء والصيف وليشتغلوا بعبادة رب هذا البيت فإنه يطعمهم من جوع ويؤمنهم من خوف. ولعل في تخصيص لفظ الرب إشارة إلى ما قالوه لأبرهة «إن للبيت ربا سيحفظه» ولم يعولوا في ذلك على الأصنام فلزمهم لإقرارهم أن لا يعبدوا سواه كأنه يقول: لما عولتم في الحفظ عليّ فاصرفوا العبادة إليّ. وفي الإطعام وجوه أحدها: ما مر. والثاني: قول مقاتل: شق عليهم الذهاب إلى اليمن والشام في الشتاء والصيف لطلب الرزق فقذف الله تعالى في قلوب الحبشة أن حملوا الطعام إلى مكة حتى