والفتح هو المقصود ، ولهذا قدم الأول على الثاني. وقيل: النصر كمال الدين والفتح الإقبال الدنيوي له ولأمته كقوله (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة: ٣] وقيل: النصر هو الظفر على المنى في الدنيا والفتح في الآخرة (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) [الزمر: ٧٣] وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبدا منصورا بالدلائل والمعجزات إلا أن الغلبة على قريش بل على أكثر العرب لما حصلت في هذا التاريخ صح التقييد به. ثم إن جمهور المفسرين ومنهم ابن عباس ذكروا أن الفتح هو فتح مكة الذي يقال له فتح الفتوح. يروى أن فتح مكة كان سنة ثمان ونزول السورة سنة عشر ولم يعش رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد نزولها إلا سبعين يوما ولذلك تسمى سورة التوديع ، وقد اتفق أكثر الصحابة على أنها دلت على نعي الرسول صلىاللهعليهوسلم وفهمه بعض الصحابة منها ،وخطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعد نزولها فقال: إن عبدا خيرّه الله بين الدنيا وبين لقائه في الآخرة فاختار لقاء الله. قالوا: ومما يدل عليه أنه ذكر مقرونا بالنصرة وقد كان يجد النصر دون الفتح كبدر ، والفتح دون النصر كإجلاء بني النضير فإنه فتح البلد لكن لم يأخذ القوم. أما يوم فتح مكة فاجتمع له الأمران ، وصار الخلق له كالأرقاء حتى أعتقهم وذلك أنه صلىاللهعليهوسلم وقف على باب المسجد وقال: لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده. ثم قال: يا أهل مكة ما ترون أني فاعل بكم؟ فقالوا: خير ، أخ كريم وابن أخ كريم. قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء. فسموا بذلك. وقيل: فتح خيبر. وقيل: فتح الطائف. وعن أبي مسلم: النصر على الكفار وفتح بلاد الشرك على الإطلاق. وقيل: انشراح الصدر للخيرات والأعمال الفاضلة ، والفتح انفتاح أبواب المعارف والكشوف. أما الذين قالوا إن الفتح فتح مكة وكان نزول السورة قبله على ما يدل عليه ظاهر صيغة إذا فالآية من جملة المعجزات لأنها إخبار بالغيب وقد وقع. واللام في الفتح بدل من الإضافة كأنه قيل: وفتح الله. قوله (وَرَأَيْتَ) ظاهره أنها رؤية القلب ، وجوز أن تكون رؤية البصر فيكون (يَدْخُلُونَ) حالا. وظاهر لفظ الناس يقتضي العموم فيجب أن يقدر غيرهم كالنسناس بدليل قوله (أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ) [الأعراف: ١٧٩] وسئل الحسن بن عليّ فقال: نحن الناس وأشياعنا أشباه الناس وأعداؤنا النسناس ، فقبّله عليّ بين عينيه وقال (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام: ١٢٤] قيل: إنهم لما دخلوا في الإسلام بعد مدة طويلة وتقصير كثير فكيف استحقوا المدح بأنهم الناس؟ وأجيب بأنه إشارة إلى سعة رحمة الله فإن العبد بعد أن أتى بالكفر والمعصية سبعين سنة فإذا أتى بالإيمان في آخر عمره قبل إيمانه كأن الرب تعالى يقول: ربيته سبعين سنة فإن مات على كفره وقع في النار وضاع إحساني إليه في سبعين سنة. ويروى أن الملائكة تقول لمثل هذا الإنسان: أتيت وإن كنت قد أبيت. وعن النبي صلىاللهعليهوسلم