للحرمة وتحقيقا لقوله (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) [آل عمران: ١٥٩] وأيضا إن الكفار في تلك السورة طعنوا في الله فقال الله: يا محمد أجبهم عني (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) [الكافرون: ١] وفي هذه السورة طعنوا في حق محمد صلىاللهعليهوسلم فقال الله تعالى اسكت أنت فإنيّ أشتمهم (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) وفيه تنبيه على أن الذي لا يشافه السفيه كان الله ذابا عنه وناصرا له. يروى أن أبا بكر كان يؤذيه واحد فبقي ساكتا فجعل الرسول يذبه عنه ويزجر ذلك المؤذي فشرع أبو بكر في الجواب فسكت الرسول فقال أبو بكر: ما السبب في ذلك؟ فقال: لأنك حين كنت ساكتا كان الملك يجيب عنك ، فلما شرعت في الجواب انصرف الملك وجاء الشيطان. قال أبو الليث: اللهب واللهب لغتان كالنهر والنهر ولكن الفتح أوجه ، ولهذا قرأ به أكثر القراء. وأجمعوا في قوله (ذاتَ) (لَهَبٍ) على الفتح رعاية للفاصلة. وفي دفع التكرار عن قوله (وَتَبَ) وجوه منها: أن الأول دعاء والثاني إخبار ويؤيده قراءة ابن مسعود و «قد تب» ، ومنها أن الأول إخبار عن هلاك عمله لأن المرء إنما يسعى لمصلحة نفسه باليد ، والثاني إخبار عن هلاك نفسه وهو قول أبي مسلم. وقيل: الأول إهلاك ما له فقد يقال للمال ذات اليد ، والآخر هلاك نفسه وهو قول أبي مسلم. وقيل: الأول نفسه والثاني ولده عتبة على ما روي أن عتبه ابن أبي لهب خرج إلى الشام مع ناس من قريش فلما هموا أن يرجعوا قال لهم عتبة: بلغوا عني محمدا أني كفرت بالنجم إذا هوى. وروي أنه قال ذلك في وجه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وتفل في وجهه وكان مبالغا في عداوته فقال: اللهم سلط عليه كلبا من كلابك. فوقع الرعب في قلب عتبة وكان يحترز دائما فسار ليلة من الليالي إلى قريب من الصبح فقال له أصحابه: هلكت الركاب. فما زالوا به حتى نزل وهو مرعوب فأناح الإبل حوله كالسرادق فسلط الله الأسد وألقى السكينة على الإبل فجعل الأسد يتخلل حتى افترسه. فقوله (تَبَّتْ) قبل هذه الواقعة على عادة إخبار الله تعالى في جعل المستقبل كالماضي المحقق. والفرق بين المال والكسب من وجوه أحدها: أن المال عني به رأس المال والمكسوب هو الربح. وثانيها أراد الماشية والذي كسبه من نسلها وكان صاحب النعم والنتاج. وثالثها أريد ماله الموروث والذي كسبه بنفسه. وعن ابن عباس: المكسوب الولد لقوله صلىاللهعليهوسلم «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه» (١) روي أنه لما مات تركه أبناؤه ليلتين أو ثلاثا حتى أنتن في بيته لعلة كانت به خافوا عدواها. وقال الضحاك وقتادة: ما ينفعه ماله وعمله الخبيث يعني كيده في عداوة الرسول وسائر أعماله التي ظن أنه منها
__________________
(١) رواه النسائي في كتاب البيوع باب ١. ابن ماجه في كتاب التجارات باب ١. الدارمي في كتاب البيوع باب ٦. أحمد في مسنده (٦ / ٣١ ، ٤٢ ، ١٢٧).