اعتبار لعليته ، ولا ريب أن اعتبار العلية مقدم على اعتبار المعلولية كما أن العلة بالذات متقدمة على المعلول ، فالسؤال مدفوع. قالوا: وإنما اقتصر على لفظ الماضي لأن النزاع كان واقعا في المسيح وعزيز ونحوهما فوقع قوله (لَمْ يَلِدْ) جوابا عما ادعوه عليه. وأما قوله (وَلَمْ يُولَدْ) فلم يكن مفتقرا إلى هذا التوجيه لأن كل موجود إذا لم يكن مولودا في مبدا تكوّنه فلن يكون مولودا بعد ذلك. وأقول: لعل المراد بقوله (لَمْ يَلِدْ) نفي أن يكون هو ممن شأنه الولادة وهذا المعنى يشمل كل زمان ، وبهذا التفسير لا يصح على العاقر أنه لا يلد ويصح أنه يلد. واعلم أنه سبحانه بين كونه في ذاته وحقيقته منزها عن جميع أنحاء التراكيب بقوله (هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ثم بين كونه ممتنع التغير عما هو عليه من صفات الكمال ونعوت الجلال بقوله (اللهُ الصَّمَدُ) ثم أراد أن يشير إلى نفي من يماثله وهو إما لا حق وأبطله بقوله (لَمْ يَلِدْ) وإما سابق وأحاله بقوله (وَلَمْ يُولَدْ) وإما مقارن في الوجود وزيفه بقوله (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ويجوز أن يكون الأوّلان إشارة إلى نفي من يماثله بطريق التولد أو التوالد ، والثالث تعميما بعد التخصيص. ويحتمل أن يراد بالأخير نفي المصاحبة لأن المصاهرة تستدعي الكفاءة شرعا وعقلا فيكون ردا على من حكى الله عنهم في قوله (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً) [الصافات: ١٥٨] قاله مجاهد.
سؤال: قد نص سيبويه في كتابه على أن الخبر قد يقدم على الاسم في باب «كان» ولكن متعلق الخبر حينئذ لا يتقدم على الخبر كيلا يلزم العدول عن الأصل بمرتبتين فكيف قدم الصرف على الاسم والخبر جميعا؟ أجاب النحويون عنه بأن هذا الظرف وقع بيانا للمحذوف كأنه قال: ولم يكن أحد فقيل: لمن؟ فأجيب بقوله «له» نظيره قوله (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف: ٢٠] وقوله (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) [الصافات: ١٠٢].