فكذلك الهداية والضلال ، والعارف بهذه الدقيقة عارف بسر الله في القدر ، ومن عرف سر الله في القدر هانت عليه المصائب ، فقيه تسلية أخرى للنبي صلىاللهعليهوسلم. وقيل في وجه النظم: إنه تعالى أراد أن يذكر حجة أخرى على إثبات الإله العليم القدير ليعلم أنه أحق بالعبادة من كل ما سواه فضلا عن الأصنام. ومعنى الآية أن الله تعالى يتوفى الأنفس حين موتها. قال جار الله: أراد بالأنفس الجملة كما هي لأنها هي التي تنام وتموت (وَ) يتوفى الأنفس (الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها) أي يتوفاها حين تنام تشبيها للنائمين بالموتى كقوله (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) [الأنعام: ٦٠] والحاصل أنه يتوفى الأنفس مرتين ، مرة عند موتها ومرة عند نومها فتكون «في» متعلقة بـ (يَتَوَفَّى) والتوفي مستعمل في الأول حقيقة وفي الثاني مجازا ، ولم يجوّزه كثير من أئمة الأصول. وقال الفراء: «في» متعلقة بالموت وتقديره: ويتوفى الأنفس التي لم تمت في منامها عند انقضاء حياتها. ثم بين الفرق بين الحالين بقوله (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) من غير غلط. وقال حكماء الإسلام: النفس الإنسانية جوهر مشرق نوراني إذا تعلق بالبدن حصل ضوءه في جميع الأعضاء ظاهرها وباطنها وهو الحياة واليقظة. وأما في وقت النوم فإن ضوءه لا يقع إلا على باطن البدن وينقطع عن ظاهره ، فتبقى نفس الحياة التي بها النفس وعمل القوى البدنية في الباطن ويفنى ما به التمييز والعقل ، وإذا نقطع هذا الضوء بالكلية عن البدن فهو الموت ، ومثل هذا التدبير العجيب لا يمكن صدوره إلا من القدير الخبير الذي لا شريك له في ملكه ولا نظير ، ولهذا ختم الآية بقوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ثم كان لمشرك أن يقول: إنما نعبد الأصنام لأنها تماثيل أشخاص كانوا عند الله مقربين فنحن نرجو شفاعتهم فأنكر الله عليهم بقوله (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ) أي من دون إذنه (شُفَعاءَ) و «أم» بمعنى «بل» ، والهمزة الإنكارية وتقرير الإنكار أن هؤلاء الكفار إما أن يطعموا في شفاعة تلك التماثيل وإما في شفاعة من هذه التماثيل تماثيلهم. والأول باطل لأن هذه الأصنام جمادات لا تملك شيئا ولا تعقل وأشار إلى هذا المعنى بقوله (قُلْ أَوَلَوْ كانُوا) يعني أيشفعون ولو كانوا بحيث (لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ) والثاني أيضا مستحيل لأن يوم القيامة لا يشفع أحد إلا بإذن الله وهو المراد بقوله (قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ) وانتصب (جَمِيعاً) على الحال. ولو كان تأكيدا للشفاعة لقيل جمعاء.
وحين قرر أن لا شفاعة لأحد إلا بإذن الله برهن على ذلك بقوله (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) يوم القيامة ولا ملك في ذلك اليوم إلا له. ثم ذكر نوعا آخر من قبائح أفعال المشركين فقال (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ) أي منفردا ذكره عن ذكر آلهتهم