يربى أو يتربى في الزينة والنعومة ، وهو إذا احتاج إلى المخاصمة لا يبين ولا يعرف عما في ضميره لعجزه عن البيان ولقلة عقله. قالت العقلاء: قلما تكلمت امرأة فأرادت أن تعرب عن حجتها إلا نطقت بما هو حجة عليها. وفيه أن النشء في الزينة والإمعان في التنعم من خصائص ربات الحجال لا من خواص الرجال. وإنما ينبغي أن يكون تلبسهم بلباس التقوى وتزينهم باستعداد الزاد للدار الأخرى. ثم خصص أن البنات التي نسبن إليه تعالى من أي جنس من بعد ما عمم في قوله (مِمَّا يَخْلُقُ) فقال (وَجَعَلُوا) أي سموا (الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) وفي إثبات العبودية لهم نفي الجزئية عنهم كما مر آنفا. وقوله (أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ) كقوله (ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الكهف: ٥١] وفيه تهكم بهم لأنه لم يدل على ذلك عقل ولا نقل صحيح فلم يبق إلا الإخبار عن المشاهدة يعني مشاهدتهم خلق الله إياهم أو مشاهدة صور الملائكة. ثم أوعدهم بقوله (سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ) على أنوثية الملائكة (وَيُسْئَلُونَ) ثم حكى نوعا آخر من كفرهم وشبهاتهم وهو أنهم (قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ) أي الملائكة والأصنام نظير ما مر في آخر الأنعام (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) [الآية: ١٤٨]. واستدلال المعتزلة به ظاهر لأنه ذمهم بقوله (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أجاب الزجاج عنه بأن قوله (ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) عائد إلى قولهم الملائكة بنات الله ، والمراد لو شاء الرحمن ما أمرنا بعبادتهم كقولهم (وَاللهُ أَمَرَنا بِها) [الأعراف: ٢٨] فلهذا أنكر الله عليهم قاله الواحدي في بسيطه. وقيل: قالوها استهزاء ، وزيفه جار الله بأنه لا يتمشى في أقوالهم المتقدمة وإلا كانوا صادقين مؤمنين. وجعل هذا الأخير وحده مقولا على وجه الهزء دون ما قبله تعويج لكتاب الله. وتمام البحث بين الفريقين مذكور في «الأنعام» وإنما قال في الجاثية (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) لأن هذا كذب محض وهناك خلطوا الصدق بالكذب ، صدقوا في قولهم (نَمُوتُ وَنَحْيا) وكذبوا في قولهم (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) [الجاثية: ٢٤] وكانوا شاكين في أمر البعث ، ثم زاد في الإنكار عليهم بقوله (أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ) أي من قبل القرآن أو الرسول (فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ) ثم أضرب عن ذلك وأخبر أنه لا مستند لهم في عقائدهم وأقوالهم الفاسدة الا التقليد. والأمة الدين والطريقة التي تؤم أي تقصد. ثم سلى نبيه صلىاللهعليهوسلم بأن هذا دأب أسلافهم وداء قديم في جهال بني آدم. وإنما قال أولا (مُهْتَدُونَ) وبعده (مُقْتَدُونَ) لأن العرب كانوا يخاصمون رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويزعمون الاهتداء ، ولعل الأمم قبلهم لم يزعموا إلا الاقتداء بالآباء دون الاهتداء. ثم أخبر أن النذير (قالَ) أو أمر النذير أو محمدا أن يقول (أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ) أي أتتبعون آباءكم ولو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم فأصروا على التكذيب ولم يقبلوا فانتقم الله منهم.