سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ) [الشورى: ٤٠] وإنما قال في الجاثية (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) [الجاثية: ٣٣] لمناسبة ألفاظ العمل ، وهاهنا قد وقع من ألفاظ الكسب.
ثم حكى نوعا آخر من قبيح أعمالهم قائلا (فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ) وقد مر مثله في مواضع أقر بها أول السورة إلا أنه ذكر هاهنا بفاء التعقيب لأن هذا مناقض لما حكى عنهم عن قريب وهو أنهم يشمئزون عن ذكر الله وحده فكيف التجئوا إليه وحده عند ضر يصيبهم. ومعنى (أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) أوتيته على علم الله بكوني مستحقا لذلك أو على علم عندي صار سببا لهذه المزية ككسب وصنعة ونحو ذلك. ولا شك أن هذا نوع من الغرور فلهذا قال سبحانه (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) بلاء واختبار يتميز بها الشاكر عن الكافر. ذكر الضمير أوّلا بتأويل المخوّل وأنثه ثانيا بتأويل النقمة. ثم أشار بقوله (قَدْ قالَهَا) أي مجموع الكلمة التي صدرت عنهم و (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) هم قارون وقومه حيث (قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي) [القصص: ٧٨] وقومه راضون بها فكأنهم قالوها. ويجوز أن يكون في الأمم الخالية قائلون مثلها (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) من الأموال أو من المعاصي وأشار بقوله (هؤُلاءِ) إلى أهل مكة أصابهم قتل في يوم بدر وغيره وحبس عنهم الرزق فقحطوا سبع سنين ثم بسط لهم فمطروا سبع سنين فقيل لهم: أو لم يعلموا أن الباسط والقابض هو الله وحده؟ وذلك أن انتهاء الحوادث المتسلسلة يجب أن يكون إلى إرادته ومشيئته ، ولا ينافي هذا توسيط عالم الأسباب وأن يكون للكواكب كلها تأثيرات في عالمنا هذا بإذن مبدعها وفاطرها. وقول الشاعر:
فلا السعد يقضي به المشتري |
|
ولا النحس يقضي علينا زحل |
ولكنه حكم رب السماء |
|
وقاضي القضاة تعالى وجل |
كلام من غير تبين واستبصار بسر القدر. والذي يشكك به الإمام فخر الدين الرازي من أنه قد يولد إنسانان في طالع واحد ثم يصير أحدهما في غاية السعادة والآخر في غاية الشقاوة كلام غير محقق ، لأنا لو سلمنا وقوع ذلك فلاختلاف القابل ، وليس تأثير العامل السماوي في طالع ولد السلطان مثله في طالع ولد الحمامي ، وكذا اختلافات أخر لا نهاية لها. نعم لو ادعى عسر إدراك جميع الجزئيات فلا نزاع في ذلك إلا المنتفع بما ينتفع به عليه أن يقنع بما يصل إليه فهمه فلكل شيء حد وفوق كل ذي علم عليم. وحين أطنب في الوعيد أردفه ببيان كمال رحمته ومغفرته فقال (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) عن ابن عباس أن أهل مكة قالوا: يزعم محمد أن من عبد الأوثان وقتل النفس التي حرم الله لن يغفر له ونحن قد عبدنا الأوثان وقتلنا الأنفس فأنزل الله هذه الآية. وعن ابن عمر: نزلت