فإنه أراد : العيش الناعم في ظلال النّوك : خير من العيش الشّاقّ في ظلال العقل فأخلّ كما ترى.
وقولنا : «لفائدة» احتراز من شيئين :
أحدهما : التطويل ، وهو أن يتعيّن الزائد في الكلام ، كقوله : [عدي بن زيد العبادي]
وألفى قولها كذبا ومينا (١)
فإن الكذب والمين واحد.
وثانيهما : ما يشتمل على الحشو ، والحشو ما يتعين أنه الزائد ، وهو ضربان :
أحدهما : ما يفسد المعنى ، كقول أبي الطّيّب :
ولا فضل فيها للشجاعة والنّدى |
|
وصبر الفتى ، لولا لقاء شعوب (٢) |
فإن لفظ «الندى» فيه حشو يفسد المعنى ، لأن المعنى : أنه لا فضل في الدنيا للشجاعة والصبر والندى لو لا الموت. وهذا الحكم صحيح في الشجاعة دون الندى ؛ لأن الشجاع لو علم أنه يخلد في الدنيا لم يخش الهلاك في الإقدام ؛ فلم يكن لشجاعته فضل. بخلاف الباذل ماله ؛ فإنه إذا علم أنه يموت هان عليه بذله ولهذا يقول إذا عوتب فيه : كيف لا أبذل ما لا أبقى له؟ أنّى أثق بالتمتّع بهذا المال؟ وعليه قول طرفة :[بن العبد]
فإن كنت لا تسطيع دفع منيّتي |
|
فذرني أبادرها بما ملكت يدي (٣) |
وقول مهيار : [بن مرزويه الديلمي]
فكل إن أكلت ، وأطعم أخاك |
|
فلا الزّاد يبقى ولا الآكل (٤) |
__________________
والأغاني ١١ / ٤٤ ، وبهجة المجالس ١ / ١٨٧ ، والشعر والشعراء ص ٢٠٤ ، وشعراء النصرانية ص ٤١٧ ، وكتاب الصناعتين ص ٣٦ ، ١٨٨.
(١) صدر البيت :
وقددت الأديم لراهشيه
والبيت من الوافر ، وهو لعدي بن زيد في ذيل ديوانه ص ١٨٣ ، والأشباه والنظائر ٣ / ٢١٣ ، وجمهرة اللغة ص ٩٩٣ ، والدرر ٦ / ٧٣ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧٧٦ ، والشعر والشعراء ١ / ٢٣٣ ، ولسان العرب (مين) ، ومعاهد التنصيص ١ / ٣١٠ ، وبلا نسبة في مغني اللبيب ١ / ٣٥٧ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٢٩.
(٢) البيت من الطويل ، وهو في ديوان المتنبي ٢ / ٧٣.
(٣) البيت من الطويل ، وهو في ديوان طرفة بن العبد ص ٢٤.
(٤) البيت من المتقارب ، ولم أجده في المصادر والمراجع التي بين يدي.