فلو علم أنه يخلد ، ثم جاد بماله ، كان جوده أفضل. فالشجاعة لو لا الموت لم تحمد ، والندى بالضّدّ.
وأجيب عنه : بأن المراد بالندى في البيت بذل النفس ، لا بذل المال ، كما قال مسلم بن الوليد :
يجود بالنفس إن ضنّ الجواد بها |
|
والجود بالنفس أقصى غاية الجود (١) |
وردّ بأن لفظ الندى لا يكاد يستعمل في بذل النفس ، وإن استعمل فعلى وجه الإضافة. فأما مطلقا : فلا يفيد إلّا بذل المال.
والثاني : ما لا يفسد المعنى كقوله : [أبو العيال الخفاجي]
ذكرت أخي فعاودني |
|
صداع الرأس والوصب (٢) |
فإن لفظ «الرأس» فيه حشو لا فائدة فيه ، لأن الصداع لا يستعمل إلا في الرأس ، وليس بمفسد للمعنى.
وقول زهير : [بن أبي سلمى]
وأعلم علم اليوم والأمس قبله |
|
ولكنّني عن علم ما في غد عم (٣) |
فإن قوله : «قبله» مستغنى عنه غير مفسد.
وقول أبي عديّ :
نحن الرؤوس ، وما الرؤوس إذا سمت |
|
في المجد للأقوام كالأذناب (٤) |
فإن قوله : «للأقوام» حشو لا فائدة فيه ، مع أنه غير مفسد.
واعلم أنه قد تشتبه الحال على الناظر ؛ لعدم تحصيل معنى الكلام وحقيقته ؛ فيعدّ
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو في ديوان مسلم بن الوليد ص ٢٥ ، والعقد الفريد ١ / ٥٦.
(٢) يروى عجز البيت بلفظ :
رداع السقم والوصب
والبيت من مجزوء الوافر ، وهو لأبي العيال الهذلي في شرح أشعار الهذليين ص ٤٢٤ ، وتهذيب اللغة ٢ / ٢٠٤ ، ولسان العرب (ردع) (وفيه «والوصب» بدل «والوصب») وهذا خطأ ، والبيت من قصيدة مضمومة الرويّ) ، وتاج العروس (ردع).
(٣) البيت من الطويل ، وهو في ديوان زهير بن أبي سلمى ص ٢٩ ، ولسان العرب (عمى) ، وتهذيب اللغة ٣ / ٢٤٥ ، وشرح المعلقات السبع ص ٦٩ ، وشرح المعلقات العشر ص ٨٦.
(٤) البيت من الكامل ، وأبو عدي هو عبد الله بن عمرو الأموي.