من الزائد على أصل المراد ما ليس منه ، كما مثّله بعض الناس بقول القائل :[كثير بن عبد الرحمن «عزّة»]
ولمّا قضينا من منى كلّ حاجة |
|
ومسّح بالأركان من هو ماسح (١) |
وشدّت على دهم المهارى رحالنا |
|
ولم ينظر الغادي الذي هو رائح |
أخذنا بأطراف الأحاديث بينا |
|
وسالت بأعناق المطيّ الأباطح |
يبيّن أنه ليس منه ما ذكره الشيخ عبد القاهر في شرحه.
قال : أول ما يتلقّاك من محاسن هذا الشعر أنه قال : «ولما قضينا من منى كل حاجة» فعبّر عن قضاء المناسك ـ فرائضها وسننها ـ بطريق العموم الذي هو أحد طرق الاختصار.
ثم نبّه بقوله : «ومسح بالأركان من هو ماسح» على طواف الوداع الذي هو آخر الأمر ، ودليل المسير الذي هو مقصوده من الشعر.
ثم قال : «وشدّت ـ البيت» فوصل بذكر مسح الأركان ما وليه من زمّ الركاب وركوب الرّكبان.
ثم دلّ بلفظ «الأطراف» على الصفة التي تختصّ بها الرّفاق في السّفر : من التصرّف في فنون القول ، وشجون الحديث ، أو ما هو عادة المتظرّفين : من الإشارة ، والتلويح والرمز والإيماء ، وأنبأ بذلك عن طيب النفوس وقوّة النشاط ، وفضل الاغتباط ، كما توجبه ألفة الأصحاب ، وأنسة الأحباب ، ويليق بحال من وفّق لقضاء العبادة الشريفة ورجا حسن الإياب ، وتنسّم روائح الأحبّة والأوطان واستماع التّهاني والتحايا من الخلّان والإخوان.
ثم زان ذلك كلّه باستعارة لطيفة ؛ حيث قال : «وسالت بأعناق المطيّ الأباطح» فنبّه بذلك على سرعة السّير ، ووطأة الظهر. وفي ذلك ما يؤكد ما قبله لأن الظهور إذا كانت وطيئة ، وكان سيرها سهلا سريعا زاد ذلك في نشاط الرّكبان ، فيزداد الحديث طيبا.
ثم قال : «بأعناق المطيّ» ولم يقل : «بالمطي» لأن السرعة والبطء في سير الإبل
__________________
(١) الأبيات من الطويل ، والبيت الأول لكثير عزة في ملحق ديوانه ص ٥٢٥ ، وزهر الآداب ص ٣٤٩ ، وللمضرب عقبة بن كعب بن زهير في الحماسة البصرية ٢ / ١٠٣ ، وبلا نسبة في لسان العرب (طرف) ، وأمالي المرتضى ٢ / ٣٥٩ ، والشعر والشعراء ص ٧٢ ، والخصائص ١ / ٢٨ ، ٢١٨ ، ٢٢٠ ، ومعجم البلدان (منى).