فالوجه في ذكر «العظم» ـ دون سائر ما تركّب منه البدن ـ وتوحيده ؛ ما ذكره الزمخشري قال : إنما ذكر «العظم» لأنه عمود البدن ، وبه قوامه وهو أصل بنائه ، وإذا وهن تداعى وتساقطت قوته ، ولأنه أشدّ ما فيه وأصلبه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن ، ووحّده لأن الواحد هو الدّال على معنى الجنسية وقصده : إلى هذا الجنس ـ الذي هو العمود ، والقوام ، وأشد ما تركب منه الجسد ـ قد أصابه الوهن ، ولو جمع لكان قصدا إلى معنى آخر. وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ، ولكن كلّها.
واعلم أن المراد بشمول الشيب الرأس أن يعمّ جملته حتى لا يبقى من السواد شيء ، أو لا يبقى منه إلا مما لا يعتدّ به.
والثاني ـ أعني ما يكون جملة ـ إما مسبّب ، ذكر سببه ، كقوله تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ) [الأنفال : الآية ٨] أي : فعل ما فعل ، وقوله : (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) [القصص : الآية ٤٦] أي : اخترناك ، وقوله : (لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) [الفتح : الآية ٢٥] أي : كان الكفّ ومنع التعذيب. ومنه قول أبي الطّيّب :
أتى الزّمان بنوه في شبيبته |
|
فسرّهم ، وأتيناه على الهرم (١) |
أي : فساءنا أو بالعكس ، كقوله تعالى : (فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ) [البقرة : الآية ٥٤] أي : فامتثلتم فتاب عليكم ، وقوله : (فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ) [البقرة : الآية ٦٠] أي : فضربه بها فانفجرت ، ويجوز أن يقدّر : فإن ضربت بها فقد انفجرت ، أو غير ذلك ، كقوله تعالى : (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) [الذّاريات : الآية ٤٨] على ما مرّ.
والثالث : كقوله تعالى : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) [البقرة : الآية ٧٣] أي : فضربوه ببعضها فحيي ، فقلنا : كذلك يحيي الله الموتى ، وقوله : (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (٤٥) يُوسُفُ) [يوسف : الآيتان ٤٥ ، ٤٦] أي : فأرسلوني إلى يوسف لاستعبره الرؤيا ، فأرسلوه إليه فأتاه ، وقال له : يا يوسف ، وقوله : (فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً) (٣٦) [الفرقان : الآية ٣٦] أي : فأتياهم فأبلغاهم الرسالة ، فكذّبوهما ، فدمّرناهم. وقوله : (فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ) [الشّعراء : الآيات ١٦ ـ ١٨] أي : فأتياه ، فأبلغاه ذلك ، فلما سمعه قال : ألم نربك ، ويجوز أن يكون التقدير : فأتياه فأبلغاه ذلك. ثم يقدّر : فماذا
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو في ديوان المتنبي ٢ / ٢٦٢.