قائمة الکتاب
القسم الثاني الإيجاز
١٤٣
إعدادات
الإيضاح في علوم البلاغة
الإيضاح في علوم البلاغة
المؤلف :جلال الدين محمّد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد
الموضوع :اللغة والبلاغة
الناشر :دار الكتب العلميّة
الصفحات :415
تحمیل
قال؟ فيقع قوله : (قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ) [الشّعراء : الآية ١٨] استئنافا. ونحوه قوله : (اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ (٢٨) قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ) [النّمل : الآيتان ٢٨ ، ٢٩] أي : ففعل ذلك ، فأخذت الكتاب فقرأته ، ثم كأن سائلا سأل قال : فما ذا قالت؟ فقيل : قالت : يا أيها الملأ.
وأما قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً وَقالا الْحَمْدُ لِلَّهِ) [النّمل : الآية ١٥] فقال الزمخشري في تفسيره : هذا موضع الفاء ، كما يقال : «أعطيته فشكر ، ومنعته فصبر» وعطفه بالواو إشعارا بأن ما قالاه بعض ما أحدث فيهما العلم ، كأنه قال : فعملا به ، وعلماه ، وعرفا حق النعمة فيه ، والفضيلة ، وقالا : الحمد لله.
وقال السكاكيّ : يحتمل عندي أنه تعالى أخبر عمّا صنع بهما ، وعما قالا ، كأنه قال : نحن فعلنا إيتاء العلم ، وهما فعلا الحمد ، من غير بيان ترتّبه عليه ؛ اعتمادا على فهم السامع ، كقولك : قم يدعوك ؛ بدل : قم فإنه يدعوك.
واعلم أن الحذف على وجهين :
أحدهما : أو لا يقام شيء مقام المحذوف كما سبق.
والثاني : أن يقام مقامه ما يدلّ عليه ، كقوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ) [هود : الآية ٥٧] ليس الإبلاغ هو الجواب ؛ لتقدمه على تولّيهم ، والتقدير : فإن تولّوا فلا لوم عليّ ؛ لأني قد أبلغتكم ، أو فلا عذر لكم عند ربكم لأني قد أبلغتكم ، وقوله : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) [فاطر : الآية ٤] أي : فلا تحزن ، واصبر ، فإنه قد كذّبت رسل من قبلك ، وقوله : (وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) [الأنفال : الآية ٣٨] أي : فيصيبهم مثل ما أصاب الأولين.
وأدلة الحذف كثيرة.
منها : أن يدلّ العقل على الحذف ، والمقصود الأظهر على تعيين المحذوف ، كقوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) [المائدة : الآية ٣] الآية ، وقوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) [النّساء : الآية ٢٣] الآية. فإن العقل يدل على الحذف لما مر ، والمقصود الأظهر يرشد إلى أن التقدير حرّم عليكم تناول الميتة ، وحرّم عليكم نكاح أمّهاتكم ، لأن الغرض الأظهر من هذه الأشياء تناولها ، ومن النساء نكاحهنّ.
ومنها : أن يدل العقل على الحذف والتعيين كقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) [الفجر : الآية ٢٢] أي أمر ربك ، أو عذابه ، أو بأسه ، وقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ) [البقرة : الآية ٢١٠] أي : عذاب الله ، أو أمره.