أقامت مع الرّايات حتى كأنها |
|
من الجيش ، إلا أنها لم تقاتل |
فإن الأفوه أفاد بقوله : «رأي عين» قربها ؛ لأنها إذا بعدت تخيّلت ولم تر ، وإنما يكون قربها توقعا للفريسة ، وهذا يؤكد المعنى المقصود ، ثم قال «ثقة أن ستمار» فجعلها واثقة بالميرة.
وأما أبو تمام فلم يلم بشيء من ذلك ، لكن زاد على الأفوه بقوله : «إلّا أنها لم تقاتل» ثم بقوله : «في الدماء نواهل» ثم بإقامتها مع الرايات حتى كأنها من الجيش ، وبذلك يتم حسن قوله : «إلا أنها لم تقاتل» وهذه الزيادات حسّنت قوله ، وإن كان قد ترك بعض ما أتى به الأفوه.
وهذه الأنواع ونحوها أكثرها مقبولة.
ومنها ما أخرجه حسن التصرّف من قبيل الأخذ والاتباع إلى حيّز الاختراع والابتداع ، وكلما كان أشد خفاء كان أقرب إلى القبول.
هذا كله إذا علم أن الثاني أخذ من الأول! وهذا لا يعلم إلا بأن يعلم أنه كان يحفظ قول الأول حين نظم قوله ، أو بأن يخبر هو عن نفسه أنه أخذه منه ؛ لجواز أن يكون الاتفاق من قبيل توارد الخواطر ، أي مجيئه على سبيل الاتفاق من غير قصد إلى الأخذ والسرقة ، كما يحكى عن ابن ميادة أنه أنشد لنفسه : [الرماح بن أبرد]
مفيد ، ومتلاف ، إذا ما أتيته |
|
تهلّل ، واهتزّ اهتزاز المهنّد (١) |
فقيل له : أين يذهب بك؟! هذا للحطيئة؟ فقال : الآن علمت أني شاعر ؛ إذ وافقته على قوله ولم أسمعه.
ولهذا لا ينبغي لأحد بتّ الحكم على شاعر بالسرقة ما لم يعلم الحال ؛ وإلا فالذي ينبغي أن يقال : «قال فلان كذا ، وقد سبقه إليه فلان فقال كذا» فيغتنم به فضيلة الصدق ، ويسلم من دعوى العلم بالغيب ونسبة النقص إلى الغير.
وما يتصل بهذا الفن القول في الاقتباس ، والتضمين ، والعقد ، والحلّ ، والتلميح.
أما الاقتباس فهو : أن يضمّن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث ، لا على أنه منه ، كقول الحريري : «فلم يكن (إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ،) حتى أنشد فأغرب» (٢).
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو في الإشارات والتنبيهات ص ٢٨٠.
(٢) انظر الآية ٧٧ من سورة النحل.