من تدبير الأمور ، فهى بدل منها. ولا شك أنك لحظت أن الجملة الثانية مفصولة عن الأولى فى كل مثال من الأمثلة الثلاثة ، ولا سر لهذا الفصل سوى ما بينهما من تمام التآلف وكمال الاتحاد (١). ولذا يقال إن بين الجملتين كمال الاتصال.
تأمل مثالى الطائفة الثانية تجد الأمر على العكس ، فإن بين الجملة الأولى والثانية فى كل مثال منتهى التباين وغاية الابتعاد ، فإنهما فى المثال الرابع مختلفان خبرا وإنشاء. وهذا جلى واضح. أما فى المثال الخامس فلأنه لا مناسبة بينهما مطلقا إذ لا رابطة فى المعنى بين قوله : «وإنما المرء بأصغريه» وقوله : «كل امرىء رهن بما لديه» ، وهنا تجد الجملة الثانية فى كل من المثالين مفصولة عن الأولى ، ولا سر لذلك إلا كمال التباين وشدة التباعد (٢) ، ولذلك يقال فى هذا الموضع إن بين الجملتين كمال الانقطاع.
انظر إلى المثال الأخير تر أن الجملة الثانية فيه قوية الرابطة بالجملة الأولى ؛ لأنها جواب عن سوال نشأ من الأولى ، فكأن أبا تمام بعد أن نطق بالشطر الأول توهم أن سائلا سأله ، كيف لا يحول حجاب الأمير بينك وبين تحقيق آمالك؟ فأجاب : «إن السماء ترجّى حين تحتجب» فأنت ترى أن الجملة الثانية مفصولة عن الأولى ، ولا سر لهذا الفصل إلا قوة الرابطة بين الجملتين ، فإن الجواب شديد الارتباط والاتصال بالسؤال فأشبهت الحال هنا من بعض الوجوه حال كمال الاتصال التى تقدمت ، ولذلك يقال إن بين الجملتين شبه كمال الاتصال.
__________________
(١) لأن الجملة الثانية هنا إما أن تكون بمعنى الأولى أو بمنزلة الجزء منها كما رأيت ، وهذا يقتضى ترك العطف لأن الشىء لا يعطف على نفسه ، والجزء لا يعطف على كله.
(٢) إنما وجب ترك العطف هنا لأن العطف يكون للجمع بين الشيئين والربط بينهما. ولا يكون ذلك فى المعنيين إذا كان بينهما غاية التباين.