مقدمة
الفصاحة ـ البلاغة ـ الأسلوب
الفصاحة : الظهور والبيان ، تقول : أفصح الصّبح إذا ظهر. والكلام الفصيح ما كان واضح المعنى ، سهل اللفظ ، جيّد السّبك. ولهذا وجب أن تكون كلّ كلمة فيه جارية على القياس الصّرفى (١) ، بينة فى معناها ، مفهومة ـ عذبة سلسة.
وإنما تكون الكلمة كذلك إذا كانت مألوفة الاستعمال بين النابهين من الكتاب والشعراء ، لأنها لم تتداولها ألسنتهم ، ولم تجر بها أقلامهم ، إلا لمكانها من الحسن باستكمالها جميع ما تقدم من نعوت الجودة وصفات الجمال.
والذوق السليم هو العمدة فى معرفة حسن الكلمات وسلاستها ، وتمييز ما فيها من وجوه البشاعة ومظاهر الاستكراه ؛ لأن الألفاظ أصوات ، فالذى يطرب لصوت البلبل ، وينفر من أصوات البوم والغربان ، ينبو سمعه عن الكلمة إذا كانت غريبة متنافرة الحروف (٢). ألا ترى أن كلمتى «المزنة» و «الدّيمة» للسحابة الممطرة ، كلتاهما سهلة عذبة يسكن إليها السمع ، بخلاف كلمة «البعاق» التى فى معناهما ؛ فإنها قبيحة تصك الآذان. وأمثال ذلك كثير فى مفردات اللغة تستطيع أن تدركه بذوقك.
__________________
(١) فقول المتنى :
فلا يبرم الأمر الذى هو حالل |
|
ولا يحلل الأمر الذى هو يبرم |
غير فصيح ؛ لأنه اشتمل على كلمتين غير جاريتين على القياس الصرفى ، وهما حالل ، ويحلل ، فإن القياس حال ويحل بالإدغام. (٢) تنافر الحروف : وصف فى الكلمة يوجب ثقلها على السمع وصعوبة أدائها باللسان ولا ضابط لمعرفة الثقل والصعوبة سوى الذوق السليم المكتسب بالنظر فى كلام البلغاء وممارسة أساليبهم.