قفا نسأل الدار التي خف أهلها |
|
متى عهدها بالصوم والصلوات |
وأين الأولى شطت بهم غربة النوى |
|
أفانين في الآفاق مفترقات (١) |
ومنه ما يتغنى بمدح الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ومنه ما ينحو المنحى التصوفي الصرف في التوحيد والتنزيه ، والحب الإلهي ، كما فعل ابن الفارض ، وقبله محمود الوراق ، من العصور العباسية. ويعد المديح النبوي من الشعر الصوفي ـ كذلك ـ لأن التغني بشخصية الرسول صلىاللهعليهوسلم وذكر صفاته وأخلاقه وكرمه ، وحلو شمائله ، يتبعه الإيمان بالله ـ تعالى ـ ومبادئ الشريعة الإسلامية ، بقوله ـ تعالى ـ : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ، لذا كان أصحاب المدائح النبوية ـ غالبا ما ـ ممن عرفوا بالتقوى والدين والصلاح ، وهذا محمد بن سعيد بن حماد البوصيري (٢) كان ميالا إلى التصوف ، وتلقى مبادئه على أبي العباس المرسي الذي خلف أبا الحسن الشاذلي في طريقته ، حتّى ظهر أثر ذلك في شعره. وحكى عن نفسه في نظم قصيدته :
أمن تذكّر جيران بذي سلم |
|
مزجت دمعا جرى من مقلة بدم |
إنه كان قد نظم قصائد قبلها في مدح الرسول صلىاللهعليهوسلم غير أنه أصابه مرض الفالج ، فأبطل نصفه ، ففكر في عمل قصيدة فعملها ، واستشفع بها
__________________
(١) انظر مقدمة ديوانه : ص ٧ ـ ١١.
(٢) انظر : الأخبار حول هذه القصيدة في الأغاني : ٨ / ٤٢.