ودينهم. وقد أفاض خليفة في ذكر أخبار كثيرة عنها ، وعن عناية النّاس بها ، في الشروح عليها باللغات العربية والتركية والفارسية ، وفي تخميساتها وإعرابها ولغات ألفاظها (١). وانتشرت هذه القصيدة انتشارا منقطع النظير ، وحاول الكثير من شعراء العربية مجاراتها ، والنسج على منوالها ، ومعارضتها حتّى كانت (الميم) مطية كل الذين سايروا البوصيري في مدائحهم ، مع أن البوصيري مسبوق بقصيدة ابن الفارض الميمية من البسيط أيضا. وليس بين البوصيري والحلي إلّا أن الثاني اتجه بقصيدة المدح النبوي إلى تضمين أصناف البديع في أبياتها ، ولم يكن البوصيري يخليها من هذه الأصناف البديعية ، ولكن لم يقصد إليها قصدا ، ويبني البيت من أجلها كما فعل الحلي. ومن هنا كان البوصيري أبا المدائح النبوية ، وكان الحلي أبا البديعيات في هذه المدائح ، ولذا كان الحلي مطوّر فنّ المديح النبوي إلى التجميل والتحسين والصنعة اللفظية التي يستحقها هذا الفن من الشعر العربي.
ولقد ساعد الحلي على أن ينتهج هذا المنهج الجديد في بناء قصيدة المديح النبوي أنه اطلع على آثار العلماء البديعيين كابن أبي الإصبع في كتابيه : (تحرير التحبير) و (بديع القرآن) (٢). وغيرها من الكتب التي ذكرها ، حتّى بلغت السبعين كتابا. مما وفّر له بين يديه جملة كبيرة ، من أصناف البديع ، فوضعها في قصيدة واحدة ضمنها أمرين :
الأول : مدح الرسول صلىاللهعليهوسلم.
__________________
(١) انظر في ذلك كله : الكشف : ٢ / ١٣٣١ ـ ١٣٣٦ وانظر كذلك المدائح النبوية : د. زكى مبارك : ١٨١ فما بعد.
(٢) العرفي سنة (٦٥٤ ه) : انظر كتابه التحرير : ط : د. حقي محمد شرف : القاهرة.