لكنى أجبته أن الحجاز ليست كمصر ، مليئة بالآثار ، وقلت له أيضا إنى لم أر فى هذه الجبال الجرداء أى شىء جدير بالملاحظة. لم يسمحوا لى أن أنفرد بنفسى ولو للحظات قليلة ، وكانت لدىّ شكوك مفادها أن بوسارى ، وعلى الرغم من كل تأكيده للصداقة التى بيننا ، لم يكن شيئا سوى جاسوس. وهكذا توصلت إلى أن بقائى فى الطائف لفترة غير محدودة ، فى ظل الظرف الذى أنا فيه حاليا ، يعد أمرا غير مرغوب فيه وغير مستحب أيضا ، ومع ذلك لم أستطع تحديد نوايا الباشا قبلى. كان واضحا أنه ينظر إلىّ من منظور واحد فقط وهو أنى جاسوس موفد إلى هذا البلد من قبل الحكومة الإنجليزية ، للتأكد من الحال الراهن ، وأن أكتب تقريرا عن هذا الأمر وأنا فى جزر الهند الشرقية. هذا فى تقديرى هو رأى الباشا ، كان يعرفنى على أنى من الإنجليز ، وقد انتحلت هذا الاسم أثناء أسفارى (وآمل ألا يكون فى ذلك إساءة لهذا البلد) ، على أمل أن أبدو أوروبيا إذا ما دعت الضرورة ، وسبب ذلك هو أن رعايا إنجلترا وفرنسا دون غيرهم ، كانوا هم الوحيدين الذين يتمتعون بالأمن والسلامة فى الشرق ؛ كانوا يعدون محميين حماية تامة من قبل حكوماتهم فى بلادهم من ناحية ومن قبل وزرائهم فى إسطنبول من ناحية ثانية ، الأمر الذى كان يحول دون تلاعب الحكومات الإقليمية بهم أو الإساءة إليهم. يزاد على ذلك أن الباشا كان يعدنى من أصحاب المقام الرفيع ، ذلك أن واحدا من الإنجليز الذين يترحلون فى الشرق يقولون له «سيدى» : وكان الباشا مقتنعا بذلك تمام الاقتناع ، فى ضوء تلك الحالة من الاحترام التى أحطت بها نفسى فى هذا البلاط التركى ، الذى فيه التواضع السلوكى وعذوبة المعاشرة والأنس أمور لا محل لها من الإعراب. وربما كان تخوفه من بريطانيا العظمى هو الذى حدا به إلى عدم إساءة معاملتى ، وذلك على الرغم من عدم فعل أى شىء فى أمورى المعروضة عليه ، وعلى قدر معرفته ، أنا لا يمكن أن آخذ سوى خمسمائة قرش التى أمر لى بها فى جدة ، والتى لم تكن كافية لسداد مصروفاتى فى الحجاز إلا لمدة قليلة جدا ، ولم يقل لى الباشا أو بوسارى عن مسألة سحب حوالتى على القاهرة ، كما سبق أن عرضت ، ولم أعاود التطرق إلى هذا الموضوع ، إذ كان معى ما يكفينى من النقود فى الوقت الراهن ، فضلا عن أنى كنت أتوقع وصول مبالغ إضافية من مصر.