المطر ، وبخاصة أنى لم أكن أرتدى سوى ملابس الإحرام. من سوء الطالع أن المقاهى كان الفيضان قد جرفها ، ولم نجد فى تلك المقاهى مكانا جافا نجلس فيه ، وبصعوبة استطعنا إشعال نار فى واحد من تلك الأكواخ المضادة للحريق ، ودخل القاضى هو وبعض رجاله وأنا معهم إلى ذلك الكوخ ، وشربنا شيئا من القهوة ، وفى كوخ من الأكواخ الأخرى كانت نساء القاضى يصحن من قسوة البرد وشدته. ولما كان القاضى لا يريد لنسائه أن تعانين من شدة البرد ، فقد آثر الركوب من جديد ، بعد استراحة دامت نصف الساعة ، وواصل سيره فى اتجاه مكة تاركا إياى أنا وأصحابى حول النار ، التى حاولنا ، بعد مضى شىء من الوقت ، أن ننال قسطا من الراحة حولها.
اليوم التاسع من شهر سبتمبر. بدأنا التحرك فى ساعة مبكرة ، واكتشفنا أن عاصفة الأمس لم تمتد إلى ما هو أبعد من جبل عرفات ، العواصف والفيضانات والسيول التى من هذا القبيل أمر متكرر الحدوث فى هذه الأماكن ، التى تبدو فصول العام فيها غير منتظمة ، على العكس منها فى أماكن أخرى تقع فى نفس دوائر العرض. بلغنى أن موسم الأمطار فى الجبال العليا هو أكثر انتظاما منه فى الأراضى المنخفضة فى كل من مكة وجدة ، اللتان تكون السماء فيهما فى منتصف فصل الصيف ملبدة بالغيوم فى معظم الأحيان بفعل العواصف والأمطار. سجل مؤرخو مكة سيولا وفيضانات مخيفة فى مدينة مكة ، وأخطر تلك الفيضانات والسيول حدث فى الأعوام الهجرية ٨٠ ، ١٨٤ ، ٢٠٢ ، ٢٨٠ ، ٢٩٧ ، ٥٤٩ ، ٦٢٠ ، ٨٠٢ ، ٨٢٩ فى بعض تلك الفيضانات والسيول غرقت مكة والكعبة فى الماء الذى لامس ارتفاعه الحجر الأسود ، كما دمرت هذه السيول كثيرا من المنازل وأزهقت أرواحا كثيرة. هذا هو العصمى المؤرخ يورد تفاصيل واحد من تلك السيول الذى دمر مكة فى العام ١٠٣٩ الهجرى ، أو فى العام ١٦٢٦ ، يوم أن تسببت السيول فى إزهاق أرواح خمسمائة نسمة ، وأسفرت عن تدمير الكعبة. حدث سيل مخيف آخر فى العام ١٦٧٢.