فى منتصف السويقة تقريبا حيث يصل عرض الشارع إلى أربع خطوات فقط ، توجد مقاعد حجرية على جانبى الشارع. فى هذا المكان يعرض العبيد الإماء الحبشيات للبيع ، ولما كان الجمال شكلا من أشكال الجاذبية الكونية ، فقد كان الحجاج ، الكبار والشبان منهم ، يتحلقون بشكل دائم حول هذه المقاعد ، ويتظاهرون بمساومة تجار العبيد ، مستهدفين بذلك رؤية الإماء للحظات قليلة فى شقة مجاورة للمكان. كثير من هؤلاء العبيد والإماء ينقلون من مكة ، إلى الأجزاء الشمالية من تركيا. كان ثمن أجمل جميلات الإماء يتردد بين مائة وعشرة دولارات ، ومائة وعشرين دولارا.
فى نهاية السويقة نجد الشارع مغطى بسقف على شكل قبة من الحجر ، مدعومة من الجانبين بالعديد من البنايات الضخمة ، التى يستخدمها التجار الأثرياء مخازن لبضاعتهم ، هذه البنايات كانت من أعمال شخص يدعى محمد ، باشا دمشق ، قبل قرون عدة ، وهذه البنايات تتبع المسجد الحرام فى الوقت الراهن ، ولما كانت هذه المنطقة هى مناطق مكة فى وقت الظهيرة ، فقد نجد الحجاج الميسورين يقضون فترة الصباح وفترة المساء فيها ، كما يدخنون فيها النرجيلات والشياش أيضا. تعرفت على واحد من باعة العطور وأصبح من بين معارفى ، وكنت ساعة بالنهار وأخرى فى فترة العصر ، جالسا على مصطبة أمام دكانه ، وأنا أدخن النرجيلة ، وأقدم له القهوة ، فى هذه الجلسة كنت أستمع إلى الأخبار ، حول وصول أى أحد من الحجاج الكبار العظام فى الليلة السابقة ، كما كنت أستمع أيضا إلى أخبار آخر القضايا التى عرضت على القاضى ، كما كنت أعرف أيضا أخبار ذلك الذى يدور فى جيش محمد على باشا ، كما كانت تصلنى أيضا أخبار الصفقات التجارية التى أبرمت. فى بعض الأحيان كان يجرى مناقشة الأخبار الأوروبية التى من قبيل آخر الأخبار عن بونابرت وما حدث له ، ذلك أن الحجاج الذين كانوا يصلون من إسطنبول واليونان كانوا يحملون معهم دوما أخبارا من أوروبا. كنت أقضى جزءا من الصباح الباكر ، والقسم الأخير من المساء ، فى التجوال فى مكة ، والتردد على المقاهى الموجودة فى أطراف المدينة ، على أمل التقاء البدو ، وتحيتهم بكوب من القهوة ، لأجعلهم يتحدثون بعد ذلك مباشرة عن بلدهم وعن أمتهم. فى ساعات الظهيرة كنت أمكث فى منزلى ، وكنت أمضى القسم الأول من الليل فى الميدان الكبير