بعد مسافة قصيرة من منزل الشريف سالف الذكر ، وعند نهاية حى المعالة ، نجد قبر أبى طالب ، أحد أعمام محمد صلىاللهعليهوسلم ، ووالد على رضى الله عنه. قام الوهابيون بدك المبنى الذى كان يغطى القبر وحوّلوه إلى كومة من الركام ، ولم يفكر محمد على باشا فى إعادة بناء هذا المبنى. أبو طالب هو الراعى الأكبر للمدينة ، وهناك أشخاص كثيرون فى مكة ، يخشون الحنث فى اليمين الذى أقسموه أمام الله ولا يودون إقحام اسم أبى طالب فى تأكيد حلف كاذب أو زائف. والقسم الذى من قبيل : «أقسم بالمسجد الحرام» ، «أقسم بالكعبة» ، هى أيمان يلجأ إليها المكيون بصورة دائمة لتوليد انطباعات معينة لدى الغرباء ، لكن القسم بأبى طالب يعد قسما خطيرا ، ويندر سماعه فى المناسبات التى من هذا القبيل. مقابل هذا القبر المهدم يوجد سبيل عام ، عبارة عن غدير مبنى من الحجر طوله حوالى خمسين قدما أو ستين ، يجرى يوميا ملؤه من المجرى المائى ، وبالقرب من هذا السبيل تنمو مجموعة صغيرة من الأشجار.
أنا لم أشاهد مبانى خلف السبيل ، إلى أن وصلت إلى قصر كبير من قصور الشريف ، تحيط به أسوار عالية تتخللها أبراج للمراقبة ، ويشتمل القصر فى داخل المسور على فناء فسيح. هذا القصر كانت له حامية كبيرة فى زمن الشريف غالب ، وأثناء حروبه مع الوهابيين كان يقيم فى هذا القصر ، إذ بوسعه القيام من هذا المكان بهجمات سرية دون أن تعلم المدينة أى شىء عن ذلك. هذا المبنى يستخدم حاليا ثكنة للجنود الأتراك.
شمالى هذا القصر يقع حى أو ضاحية المعابدة ، التى تتكون فى بعض أجزائها من منازل منخفضة سيئة البناء مبنية من الحجر ، والجزء الآخر عبارة عن أكواخ أنشأها أصحابها من خشب أشجار الأراك ، هذا الحى كله لا يسكنه سوى البدو ، الذين تحولوا إلى سكان مستقرين فى هذا المكان ، وهم الذين يقومون بخدمات النقل ، وبخاصة القمح والتمر والشاى ، فيما بين مكة والقبائل المحلية. لقد رأيت بين هؤلاء البدو عربا من قبل قريش ، وثقيف ، وهذيل ، وعتيبة ، وقد قيل إن أقرارا من القبائل الكبيرة فى الصحراء ، ومن نجد يوجدون بين الحين والآخر فى هذا المكان. هؤلاء البدو