يعيشون كما سبق أن لاحظت عند ما كنت أتحدث عن أولئك الذين يحتلون جزءا آخر من مكة ، معيشتهم كما لو كانوا فى الصحراء. منازل هؤلاء البدو ليس فيها من الأثاث سوى ذلك الذى يمكن أن نشاهده داخل خيام الأثرياء من البدو. هؤلاء البدو ، نظرا لوجودهم على بعد مسافة كبيرة من المسجد الحرام ، قاموا بتسوير قطعة أرض مربعة الشكل بأسوار منخفضة ، ليؤدوا صلاتهم فيها على الرمل كما هى طبيعة أهل الصحراء. معروف أن البدو يتظاهرون بالمداومة على الصلاة (مع أن ذلك أمر نادر الحدوث بينهم).
توصل والى مكة التركى إلى عدم صلاحية وضع أية قوات أو جنود من جنوده فى هذا الجزء من المدينة ، والحى مدين للوالى بهذه المسألة. والمعابدة ، بحكم موقعها واهتمامات ساكنيها ، المنفصلين انفصالا كبيرا عن المدينة ، إلى حد أن أية امرأة من نساء هذا الحى لم تقم بزيارة المدينة على امتداد السنوات الثلاث الأخيرة ، وذلك من واقع كلام واحدة من النساء ، وذلك على الرغم من أن نساء البدو يتجولن بحرية فى سائر أنحاء الوادى.
وادى مكة له مخرجان : مخرج على الجانب الشمالى وهو عبارة عن ممر ضيق ، يحميه برجان من أبراج المراقبة ، هذا المخرج يؤدى إلى وادى فاطمة. فى الناحية الشرقية ينتهى وادى المعابدة بحديقة ومنزل من منازل الشريف غالب ، الذى يمضى فيه ساعات الظهيرة. الحديقة مسورة بأسوار عالية ، وأبراج عالية ، وتشكل موقعا حصينا أمام المدينة. هذه الحديقة تحتوى على نخيل وأشجار النبق ، والقليل من أشجار الفاكهة التى تعطى خضرة وفيرة وظلا ظليلا. فى زمن الشريف غالب ، كان المدخل مفتوحا دوما أمام أهل مكة ، المنزل مبنى بطريقة سيئة ، لقد تمكن الوهابيون من الاستيلاء على هذا المنزل عقب حرب خاضوها ضد قوات الشريف غالب ، الذين كانوا يتمركزون فى القصر المجاور أو إن شئت فقل : الثكنة التى فى الناحية اليمنى ، والذين بثوا لغما وفجروه لنسف جزء من الأسوار ، الأمر الذى اضطر الوهابيين وأجبرهم على التراجع. قام الشريف غالب بعد ذلك بإصلاح التلف. بعض الجنود الأتراك يعيشون حاليا فى