تماما بأن زيادة مرضه إنما جاءت نتيجة لعجز الرجل عن شرب كمية كافية من ماء زمزم! بعض الحجاج الذين لا يرضون بمجرد شرب ماء زمزم ، يتجردون من ملابسهم فى الغرفة ، ويطلبون إلقاء دلاء من الماء عليهم ، وهم يعتقدون أنهم عندما يفعلون ذلك أن القلب ينقى مثلما ينقى الجسم من الخارج. قلة قليلة من الحجاج هم الذين يغادرون مكة ولا يحملون معهم شيئا من ماء زمزم فى قوارير من النحاس الأحمر أو القصدير ، إما بغرض تقديمها هدية ، أو لاستعمال هذا الماء عندما يصيبهم المرض ، أو لوضوئهم بعد وفاتهم. حملت معى أربع قوارير صغيرة ، على أمل تقديمها على سبيل الهدايا للملوك المسلمين فى بلاد السودان (*). لقد شاهدت ماء زمزم يباع فى السويس بواسطة الحجاج العائدين من مكة بسعر قرش واحد للكمية التى تملأ كوبا واحدا من أكواب القهوة.
ريس زمزم هو واحد من كبار علماء مكة. وأنا لست بحاجة إلى تذكير القارئ بأن زمزم هى العين التى عثرت عليها هاجر فى الصحراء فى اللحظة التى كان طفلها إسماعيل يوشك على الموت عطشا. يبدو أن مدينة مكة يرجع أصلها إلى هذه البئر ، سبب ذلك أن هذه البئر لا يوجد حولها ماء عذب فى أى اتجاه ولمسافات بعيدة ، إضافة إلى أنه لا يوجد ماء بكميات وفيرة على هذا النحو فى المنطقة المجاورة لمكة والمحيطة بها.
على الجانب الشمالى الشرقى من زمزم يوجد مبنيان صغيران ، أحدهما خلف الآخر ، يسميان القبتين ، هذان المكانان مغطيان بقبتين مدهونتين من دهان المسجد الحرام نفسه ، وموضوع فيهما جرار للماء ، ومصابيح وسجاد وحصير ومكانس ، وأدوات أخرى تستخدم فى المسجد نفسه. هذان المبنيان الكئيبان يؤذيان المنظر الداخلى للمبنى ، شكلهما الثقيل وهيكلهما متنافر تماما مع شكل المقامات الخفيفة متجددة الهواء. استمعت إلى بعض الحجاج اليونانيين ، وهم أصحاب ذوق أرقى من
__________________
(*) المقصود بالسودان هنا هو عكس «البيضان» أى البلاد التى يعيش فيها السود. (المترجم)