فقد اكتشفت عن طريق البحث الدقيق والتفتيش على الحبل المستخدم فى سحب الدلاء إلى أعلى ، اكتشفت أن الطول نفسه لا يتغير فى الصباح أو المساء ، هذا يعنى أن طول الحبل إلى أن يصل إلى سطح الماء كان واحدا فى الصباح وفى المساء أيضا. وعندما تحريت ذلك الأمر عرفت من رجل نزل البئر فى زمن الوهابيين لإصلاح البطانة الداخلية ، أن الماء كان ينساب من قاع البئر ، ومن ثم فإن البئر يجرى مدها بالماء عن طريق نهر تحت الأرض. ماء زمزم ثقيل المذاق ، ويشبه الحليب فى لونه فى بعض الأحيان ، لكنه عذب فرات تماما ، ويختلف اختلافا تاما عن مياه الآبار المالحة التى تنتشر فى سائر أنحاء المدينة. ماء زمزم عندما يسحب إلى أعلى للمرة الأولى ، يكون فاترا وهو فى ذلك يشبه مياه كثير من العيون التى فى الحجاز.
زمزم تمد مكة كلها بالماء ، وليست هناك عائلة واحدة لا تملأ حتى ولو جرة واحدة من ماء زمزم كل يوم ، هذا الماء لا يستخدم إلا للشرب أو الوضوء ، ذلك أن الناس هنا يعتقدون أن استعمال الماء المقدس فى غير هذين الغرضين ليس من الدين. كل حاج من الحجاج الذين يذهبون إلى المسجد الحرام لصلاة العشاء توضع أمامه جرة من ماء زمزم ، بواسطة هؤلاء الذين يكسبون عيشهم من خلال تقديم هذه الخدمة. يجرى توزيع ماء زمزم فى المسجد على كل من يشعر بالعطش ، وذلك نظير مبلغ جد تافه ، وذلك عن طريق السقائين ، الذين يحملون جرارا كبيرة على ظهورهم ، هؤلاء السقائين يعطيهم الحجاج المحسنون شيئا من النقود ، نظير تقديم ماء زمزم قبل الصلاة أو عقبها.
ماء زمزم يعد شفاء للأمراض كلها ، والمؤمنون يعتقدون أنهم كلما أكثروا من شرب ماء زمزم تحسنت صحتهم ، وقبلت دعواتهم عند الله سبحانه وتعالى. لقد رأيت كثيرا من المؤمنين الأتقياء عند بئر زمزم وهم يشربون من مائها كميات لا يصدقها العقل. هذا رجل كان يقيم معى فى منزل واحد ، وكان يعانى من حمى متقطعة أو إن شئت فقل حمى رجعية ، كان يذهب كل مساء إلى بئر زمزم ، ويشرب من مائها إلى أن يشرف على الإغماء ، وعقبها كان يرقد على ظهره ساعات بسبب هذه الفعلة ، أقنع نفسه