على اختلاف مهنهم وأوصافهم هم من المبذرين السائبين غير المنظمين. هذا يعنى أن المكاسب الكبيرة التى يحققها هؤلاء الناس خلال ثلاثة أشهر أو أربعة يجرى إنفاقها على الحياة الطيبة ، والملبس الطيب وأعظم الإشباعات ، وفى ضوء توقعاتهم لمكاسب العام المقبل ، لا يهتمون كثيرا بادخار شىء مما لديهم. فى شهر المحرم ، وعقب انتهاء الحج مباشرة ، وبعد رحيل القسم الأكبر من الحجاج ، يجرى عرف الزواج والختان بحفلاتهما البهيجة. الزواج والختان يجرى الاحتفال بهما فى مكة على نطاق واسع وبطريقة رائعة ، والرجل الذى لا يملك سوى ثلاثمائة دولار ينفقها خلال العام ، يلقى بنصف هذا المبلغ فى الزواج أو فى ختان طفل من أطفاله. قداسة مكة ، والنصوص القرآنية تعجز عن ردع سكان مكة ومنعهم من استعمال المشروبات الروحية (المسكرة) ، والدخول فى المبالغات المعتادة التى تترتب على تعاطى المسكرات. يجلب الأسطول الهندى كميات كبيرة من الراكى المعبأ فى براميل. هذا المشروب المسكر ، إذا ما خلط بشىء من السكّر ، وقطعة من القرفة ، يجرى بيعه تحت اسم ماء القرفة. أشراف مكة ، وجدة وكبار التجار ، والعلماء ، وكذلك كبار الشخصيات كلهم معتادون على شرب هذا المشروب ، الذى يقنعون أنفسهم بأنه ليس نبيذا أو من أنواع البراندى ، ومن ثم فإن الشرع لا يحرمه. السكان الأقل ثراء لا يقوون على شراء سلعة غالية من هذا القبيل ، لكنهم يستعملون مشروبا متخمرا يصنعونه من الزبيب ، ويجرى جلبه من الطائف ، أما الطبقات الأدنى من ذلك فتستعمل البوظة. أثناء مقامى فى الطائف ، قام أحد الأتراك ، الذين ينتمون إلى حاشية محمد على باشا بتقطير البراندى من العنب ، وراح يبيعه بسعر أربعين قرشا للقارورة الواحدة.
المكيون مغالين فى منازلهم ؛ غرفهم مفروشة بالسجاد وعامرة بالمخاد والأرائك المكسوة بالقماش الفاخر ، ووسط هذا الأثاث يرى الناظر أوان جميلة مصنوعة من الخزف ، وشياش عدة مزينة بالفضة. وصاحب الدكان البسيط يشعر بالخجل إذا ما استقبل ضيوفه ومعارفه فى بيت أقل من هذا المستوى. موائدهم مجهزة وعامرة على نحو أفضل منه فى أية مدينة أخرى من مدن الشرق ، التى تعيش فيها الأسر المحترمة