كانت تكاليف زيادة قوات الشريف غالب أثناء الحرب الوهابية كبيرة تماما ، وكان من الضرورى تقديم الهبات والعطايا لكل من الشريف والبدو حتى يمكن جعل البدو يراعون مصالح الشريف غالب ، لكن تصادف أن كانت مصالح الشريف هى مصالح البدو أيضا ، وعلى الرغم من أن البدو لا يكلون أو يملون السؤال وطلب الهدايا ، فإنهم يرضون بالقليل. وهنا يمكن لنا القول : إن الشريف غالب لم يحدث طوال سنى حكمه أن عاش فى حدود مداخيله وموارده ، ومع ذلك كان أهل الحجاز يعرفون جيدا أن الشريف غالب طوال سنى حكمه السبعة والعشرين ، قد كدس كنزا هائلا من الأموال. بعد أن ألقى محمد على باشا القبض على الشريف غالب ، كان إجمالى ثروة الشريف غالب فى كل من مكة وجدة يقدر بحوالى مائتى ألف جنيه إنجليزى أو مائتين وخمسين ألف جنيه ، وقيل إن الشريف غالب إما أن يكون قد أخفاها فى قلعته ، أو أنه سلمها إلى أصدقائه فى الهند فى الوقت الذى كان محمد على باشا يستعد للهجوم عليه ، والمرجح أن الشريف غالب لجأ إلى الطريقتين ؛ أى إخفاء الثروة المالية ، وبذلك يكون هو الآخر قد زاد المبالغ الكبيرة التى يجرى تخبئتها كل يوم فى بلاد الشرق ، بواسطة أولئك الذين يتولون الحكم فى بلاد الشرق ، أو عن طريق أشخاص معينين. هذه هى واحدة من الطرق السنية التى يلجأ إليها حكام الشريف عندما يخفون ثرواتهم ، الأمر الذى لا يجعل أكثر الناس ثراء يعانى كثيرا جراء هذه الخسارة. (*)
__________________
(*) شيوع مسألة إخفاء الثروات فى تركيا وأسباب هذه المسألة يمكن الوقوف عليها من الحادث التالى الذى وقع فى العام ٨١٣ الميلادى فى القاهرة. بعد أن طلب محمد على باشا مبلغا يقدر بحوالى ١٥٠٠٠ كيس (صرة) من الأقباط المستخدمين فى المالية المصرية ، قسموا هذا المبلغ فيما بينهم ، ورفض المعلم فلتؤس ، ذلك الرجل العجوز ، الذى كان كبيرا للممولين دفع مبلغ يساوى ألف صرة ومائتى صرة ، أى ما يقرب من ١٨٠٠٠ جنيه إنجليزى ، رفض المعلم فلتؤس دفع هذا المبلغ مدعيا الفقر ، وأرسل الباشا فى طلبه ، وهدده وعندما وقف على عناده ، أمر بضربه ، وبعد أن تلقى المعلم فلتؤس خمسمائة ضربة بالعصا وبعد أن أشرف على الوفاة ، أقسم بأنه لا يستطيع دفع سوى مائتى كيس. ظن محمد على أن الرجل كان يقول الحق ، ولكن إبراهيم باشا ، ولد محمد على ، الذى تصادف وجوده فى ذلك الوقت ، قال إنه على يقين من أن المعلم فلتؤس لديه مال أكثر من ذلك. وتلقى فلتؤس ثلاثمائة ضربة إضافية ، اعترف بعدها أن لديه المبلغ المطلوب ووعد بدفع المبلغ المطلوب ، وسمح له بالعودة إلى منزله بعد ذلك ، وبعد مضى أسبوعين ، وبعد أن تعافى من آثار الضرب وأصبح يقوى على المشى ، جرى إرسال المبعوثين إليه من قبل الباشا ـ ـ