محلان لبيع الحليب ، أو اللبن الرائب الذى يعد من الأشياء شديدة الندرة فى سائر أنحاء الحجاز. والأغرب بحق هو أن يصبح اللبن أمرا نادرا بين رعاة الأغنام والقطعان فى الجزيرة العربية ، لكن كان ذلك هو الحال فى كل من جدة ومكة. واقع الأمر أن المناطق القريبة من هاتين المدينتين مناطق جرداء ، لا تصلح لرعى الماشية ، هى ومن يقومون على أمر رعيها نظير الحصول على الحليب من هذه الماشية. عند ما كنت فى جدة كان رطل اللبن (اللبن يباع هنا بالوزن) يباع بقرش ونصف القرش ، ولا يمكن الحصول عليه إلا عن طريق المحاباة. وهذا الذى يسميه أتراك الشمال يوغورت (زبادى) ، أو اللبن الحامض (*) على حد قول السوريين والمصريين ، ليس من بين الأطباق العربية الوطنية ، يزاد على ذلك أن بدو الجزيرة العربية لا يقدرون ذلك النوع من اللبن مطلقا.
دكانان صاحباهما تركيان يبيعان الجبن اليونانى واللحم المقدد والتفاح المجفف والتين والزبيب والمشمش المجفف الذى يسمونه قمر الدين ، كل هذه الأصناف تباع بثلاثة أضعاف ثمنها فى القاهرة. الجبن يجرى جلبه من كاندياcandia ، ويزداد الطلب عليه بين الجنود الأتراك. هناك نوع من الجبن يصنع فى الحجاز هذا النوع شديد البياض على الرغم من ملوحته ، ولا يمكن الاحتفاظ به مدة طويلة ، وليس مغذيا بأى حال من الأحوال. والبدو أنفسهم لا يعيرون الجبن اهتماما ، وهم إما يشربون الحليب أو يحولونه إلى زبد. اللحم المجفف الذى يباع فى هذين الدكانين هو اللحم المملح ، ولحم البقر المدخن الذى يأتى من آسيا الصغرى ، والذى يعرف فى سائر أنحاء تركيا باسم البسطرمة ، ويقبل عليه الرحالة بدرجة كبيرة. الجنود الأتراك والحجاج متيمون بالبسطرمة ، أما العرب فلا يستسيغون طعمها مطلقا ، كثير من العرب الذين يلاحظون اختلاف لحم البسطرمة من حيث الشكل عن اللحوم الأخرى يصرون على أنه لحم خنزير ، ومن هنا فإن تقييم العرب وتقديرهم للجنود الأتراك يختلف ويتباين
__________________
(*) لبن شديد الكثافة ، يصبح مر المذاق عن طريق غليه وإضافة نوع من الحامض إليه.