واستسلمت المدن الثلاث دون إراقة الدماء. كان الشريف غالب ، اعتبارا من لحظة تخوفه من احتمال نجاح الحملة التى يقوم بها مصطفى بك ، قد سارع إلى الدخول فى مراسلات سرية مع مصر ، الأمر الذى جعله يعلن على الملأ أنه صديق للأتراك الذين دخلوا جدة دخول الأصدقاء ، وسرعان ما أسبغ الباب العالى لقب باشا جدة على طوسون ولد محمد على ، وذلك نظير خدماته التى قدمها للباب العالى. سوف آتى على ذكر تفاصيل هذه الحرب فى موضع آخر ، ولذلك لن أتطرق هنا إلا إلى الحقيقة التى مفادها أنه بعد دخول العثمانيين ـ أو إن شئت فقل الأتراك ـ جدة نشبت مشاجرة بين الباشا والشريف غالب حول الجمارك التى كان قد تقرر تقسيمها بينهما ، لكن نظرا لأن الباشا كان هو صاحب القوة الأكبر ، فقد احتفظ بالجمارك كلها لنفسه ، وألقى القبض على الشريف غالب وأرسله أسيرا إلى تركيا. واعتبارا من ذلك التاريخ أصبحت المدينة كلها تحت تصرفه وإمرته ، ولم يكن الشريف الجديد المدعو يحيى سوى موظف على كشوف مرتبات طوسون باشا.
كانت جدة فى زمن الشريف غالب تحكم بواسطته عندما يقيم فيها ، أو بواسطة موظف يدعى الوزير عندما كان الشريف غالب يتغيب عن المدينة ، فى حين جرى إسناد تحصيل الجمارك إلى موظف آخر ، كانوا يطلقون عليه اسم الجمركى كما أسند شرطة الميناء إلى أمير البحر وأمير البحر هذا لقب يساوى مدير الميناء ، فيما بعد أصبح الوزير عبدا أسود من عبيد الشريف غالب ، وكان الناس يكرهونه لتعاليه وكبريائه وأسلوبه الاستبدادى. كانت إقامة الشريف غالب فى جدة مسألة جد نادرة ، وسبب ذلك أن مؤمرات الرجل المستمرة مع البدو ، وكذلك تآمره على القبائل الوهابية حتمت عليه البقاء فى مكة ، ذلك الموقع المركزى المهم.
لم يغير العثمانيون شكل الحكم الذى كان سائدا فى زمن الشريف غالب. وتصادف أن طوسون باشا لم يستطع الإقامة فى عاصمته إلا نادرا ؛ نظرا لأنه كان دوما تحت إمرة والده الذى كان يتلقى من الباب العالى التعليمات والتوجيهات الكاملة